للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا منتهى القول في توجيه إعراب الفارسي.

وأما تنزيله على المعنى المراد فعسير (١)، وقد خرّج على أنه من باب قوله:

على لاحبٍ لا يهتدى بمناره. . . . . . . . . . . . . . . . . . ..

ولم يذكر أبو حيان سوى ذلك، وقال: وقد يسلطون النفي على المحكوم عليه بانتفاء صفته، فيقولون: ما قام رجل عاقل، أي لا رجل عاقل فيقوم، ثم أنشد بيت امرئ القيس المذكور، وقال: ألا ترى أنه لا يريد إثبات منار للطريق، ونفي الاهتداء به، إنما يريد نفي المنار، فتنتفي الهداية به، أي لا منار لهذا الطريق فيهتدى به، وقال الأفوه:

بمهمهٍ ما لأنيس به حس. . . فما فيه له من رسيس

لا يريد أن بهذا القفر أنيسا لا حس له، إنما يريد لا أنيس به، فيكون له حس، وعلى هذا خرّج (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) أي لا شافع لهم فتنفعهم شفاعته و (لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) أي لا سؤال فيكون إلحافا، قال: وعلى هذا يتخرّج المثال المذكور أي لا يملك درهما فيفضل عن دينار، وإذا انتفى ملكه للدرهم كان انتفاء ملكه للدينار أولى.

قال ابن هشام: وهذا الكلام الذي ذكره لا تحرير فيه، فإن الأمثلة المذكورة من بابين مختلفين، وقاعدتين متباينتين، أميز كلا منهما عن الأخرى، ثم أذكر أن التخريج المذكور لا يتأتى على شيء منهما.

القاعدة الأولى: أن القضية السالبة لا تستلزم وجود الموضوع، بل كما تصدق مع وجوده تصدق مع عدمه، فإذا قيل: ما جاءني قاضي مكة، ولا ابن الخليفة صدقت القضية وإن لم يكن بمكة قاض، ولا للخليفة ابن، وهذه القاعدة هي التي تتخرج عليها (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) وبيت امرئ القيس، فإن شفاعة الشافعين بالنسبة إلى الكافرين غير موجودة يوم القيامة؛ لأن الله تعالى لا يأذن لأحد في أن يشفع لهم؛ لأنه لا يأذن فيما لا ينفع؛ لتعاليه عن العبث، ولا يشفع أحد عند الله إذا لم يأذن الله له (من ذا الذي يشقع عنده إلا بإذنه) [سورة البقرة ٢٥٦] وكذلك المنار غير موجود في اللاحب المذكور؛ لأن المراد التمدح بأنه يقطع الأرض المجهولة من غير هاد يهتدي به، فغرضه إنما تعلق بنفي وجود

<<  <  ج: ص:  >  >>