للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (ومن عادة العرب التفنن في الكلام، والعدول من أسلوب إلى آخر).

لم يصرح باسم هذا، وسماه في " الكشاف " بالالتفات (١)، فأفاد وأجاد؛ لأن هنا ثلاثة أنواع متقاربة، ينبغي التمييز بينها؛ لئلا تلتبس.

قال الشيخ بهاء الدين السبكي: في " عروس الأفراح ": اعلم أني لم أر من أوضح العبارة عن حقيقة الالتفات، وربما توهم قوم أنه لفظي، وربما أشكل التمييز بين حقيقته وحقيقة التجريد، وحقيقة وضع الظاهر موضع المضمر، وعكسه، ثم كونه حقيقة أو مجازا، فالكلام في أربعة أمور:

الأول: في كشف الغطاء عن حقيقته.

اعلم أن الالتفات نقل الكلام من أسلوب لغيره، وهو نقل معنوي، لا لفظي فقط، وشرطه أن يكون الضمير في المنتقل إليه عائدا في نفس الأمر إلى الملتف عنه، يحتوز عن مثل أكوم زيدا، وأحسن إليه، فضمير " أنت " الذي هو فاعل أكرم غير الضمير في " إليه " وليس التفاتا.

وإنما قلت: " في نفس الأمر " لأنه بطريق الادعاء، يعود لغيره، فحينئذ إذا كان الضمير الأول في محله باعتبار الواقع في نفس الأمر، فقلت: إني أخاطبك، فأجب المخاطب، كنتَ أعدت الضمير في المخاطب، وهو ضمير غيبة على نفسك، وليس ذلك وضعا لضمير الغائب موضع ضمير المتكلم، بل جردت منك مثل نفسك، وأمرته بأن يجيبه، فضمير الغيبة واقع موقعه (٢)، وكذلك (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [سورة يس ٢٢] جرد من نفسه حقيقة مثلها وخاطبها، وفي قوله:

طحا بِكَ قَلْبٌ في الحِسَاد طَرُوْبُ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..

على رأي السكاكي جرد من نفسه حقيقة مثلها وخاطبها، فالضمير واقع في محله، فهو التفات وتجريد، وعلى رأي غيره هو تجريد فقط.

وفي قوله بعده:

تكلفني ليلى. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..

التفات على القولين، ولا نقول: إنه أعاد الضمير على غير الأول، فيلزم أن

<<  <  ج: ص:  >  >>