للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: ما الفرق بين الاختصاص والحصر؟

قلت: الاختصاص افتعال من الخصوص، والخصوص مركب من شيئين:

أحدهما: عام مشترك بين شيئين، أو أشياء.

والثاني: معنى منضم إليه، يفصله عن غيره، كضرب زيد، فإنه أخص من مطلق الضرب، فإذا قلت: ضربت زيدا، أخبرت بضرب عام وقع منك، على شخص خاص، فصار ذلك الضرب المخبر به خاصا لما انضم إليه منك، ومن زيد، وهذه المعاني الثلاثة: أعني مطلق الضرب، وكونه واقعا منك، وكونه واقعا على زيد، قد يكون قصد المتكلم بها ثلاثتها على السواء، وقد يترجح قصده لبعضها على بعض، ويعرف ذلك بما. ابتدأ به كلامه، فإن الابتداء بالشيء يدل على الاهتمام به، وأنه هو الأرجح لغرض المتكلم.

فإذا قلت: زيدا ضربت، علم أن خصوص الضرب على زيد هو المقصود، ولاشك أن كل مركّب من خاص وعام له جهتان، فقد يقصد من جهة عمومه، وقد يقصد من جهة خصوصه، فقصده من جهة خصوصه هو الاختصاص، وأنه هو الأهم عند المتكلم، وهو الذي قصد إفادته للسامع من غير تعرض ولا قصد لغيره بإثبات ولا نفي.

وأما الحصر فمعناه نفي غير المذكور، وإثبات المذكور، ويعبر عنه ب " ما "، و " إلا "، أو ب " إنما ".

فإذا قلت: ما ضربت إلا زيدا كنت نفيت الضرب عن غير زيد، وأثبته لزيد، وهذا المعنى زائد على الاختصاص.

وإنما جاء هذا في (إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين) للعلم بأنه لا يعبد غير الله، ولا يستعان بغيره، ألا ترى أن بقية الآيات لم يطرد فيها ذلك، " فإن قوله تعالى (أفغير دين الله يبغون) لو جعل غير دين الله يبغون في معنى ما يبغون إلا غير دين الله، وهمزة الإنكار داخلة عليه، لزم أن يكون المنكر الحصر، لا مجرد بغيهم غير دين الله، ولاشك أن مجرّد بغيهم غير دين الله منكر، وكذلك بقية الآيات إذا تأملتها، ألا ترى أن (أفغير الله تأمرونّي أعبد) وقع الإنكار فيه على عبادة غير الله من غير حصر، وأن (أبغي رَبًّا) غيره منكر من غير حصر، ولكن الخصوص، وهو غير الله هو المنكر وحده، ومع غيره.

وكذلك (إياكم كانوا يعبدون) عبادتهم إياهم منكرة من غير حصر، وكذلك قوله تعالى (آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ) المنكر إرادتهم آلهة دون الله من غير حصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>