للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورجح هذا الاحتمال على الأول بأن الإيمان بالمنزلين مشترك بين المؤمنين قاطبة، فلا وجه لتخصيصه بمؤمني أهل الكتاب، ولا دلالة للإفراد بالذكر في الآية.

على أن الإيمان بكل منهما بطريق الاستقلال، ألا ترى إلى قوله تعالى (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ) [سورة البقرة ١٣٦] فقد أفرد فيه الكتب المنزلة من قبل، ولم يقتض الإيمان بها على الانفراد، وبان ما ذكره في تقديم (بالآخرة) وبناء (يوقنون) على (هم) إنما يقع موقعه إذا عم المؤمنين، وإلا أوهم نفيه عن الطائفة الأولى، وبأن أهل الكتاب لم يكونوا مؤمنين بجميع ما أنزل من قبله، فإن اليهود لم يؤمنوا بالإنجيل.

وما يقال من أن اشتمال إيمانهم على كل وحي إنما هو بالنظر إلى جميعهم، فاليهود اشتمل إيمانهم على القرآن، والتوراة، والنصارى اشتمل إيمانهم على القرآن، والإنجيل مردود؛ لأن المفهوم المتبادر من أمثال ما نحن فيه ثبوت الحكم لكل واحد، وبأن الصفات السابقة ثابتة لمن آمن من أهل الكتاب، فتخصيصها بمن عداهم تحكم.

وجعل الكلام من قبيل عطف الخاص على العام لا يلائم المقام.

وقد يرجح الاحتمال الأول بأن الأصل في العطف التغاير بالذات.

ويجاب بأن هناك تفصيلا: هو أن أدات العطف إن توسطت بين الذوات اقتضت تغايرها بالذات، وإن توسطت بين الصفات اقتضت تغايرها بحسب المفهومات، وكذا الحكم في التأكيد، والبدل، ونحوهما، وإن وقعت فيما يحتملهما على سواء كان الحمل على التغاير بالذات أولى، فلا يحكم في مثل زيد عالم وعاقل بأن الحمل على تغايرهما بالذات (١) أظهر.

وقد يرجح في الآية الكريمة الحمل على عطف الصفة بأن وضع (الذي) على أن يكون صفة، فالظاهر عطفه على الموصول الأول على أنه صفة أخرى (للمتقين) بلا تقسيم، مع أن ما تقدم من وجوه الترجيح شاهد له.

ثم العطف على (الذين يؤمنون بالغيب) صحيح سواء جعل المعطوف عليه موصولا بما قبله، أو منقطعا عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>