فإن كان المقصود بالتصوف تلك المقامات من مقامات الدين فلا إنكار في المعنى، ولا بدعة، وإنما يبقى الاختلاف في اللفظ، فبعض الناس يسميها تصوفا، وبعض آخر يسميها بأسمائها من الزهد والورع. وعلى ذلك فمن نسب إلى التصوف، وسلم من الاعتقادات الفاسدة، والعبادة الكاسدة، والتصورات الخاطئة فهو من أهل السنة والاستقامة ولا يضره أن ينسب إلى التصوف ويلصق به، ككثير من الزهاد في القرن الثاني والثالث أمثال أويس بين عامر القرني، وهرم بن حيان، وإبراهيم بن أدهم، وفضيل بن عياض، وأمثالهم، وقد نسب إلى التصوف بهذا المعنى هؤلاء وأمثالهم من خيرة الصالحين. وإن كان المقصود به ما أدخله أهله في مفهومه من الضلالات العقدية، والانحرافات السلوكية فلا كرامة في اللفظ، ولا في المضمون. وعلى ذلك يحمل ما ورد عن أئمة السنة في ذم التصوف والصوفية، فمن ذلك ما رواه أبو بكر أحمد بن محمد الخلال موجزا في كتابه: الحث على التجارة والصناعة والعمل والإنكار على من يدعي التوكل في ترك العمل ٧٥، وفصله القاضي عياض في ترتيب المدارك ٢/ ٥٣ قال التنيسي: كنا عند مالك وأصحابه حوله، فقال رجل من أهل نصيبين: عندنا قوم يقال لهم: الصوفية، يأكلون كثيرا، ثم يأخذون في القصائد، ثم يقومون فيرقصون، فقال مالمك: أ صبيان هم؟ قال: لا، قال: أ مجانين هم؟ قال: لا، هم قوم مشايخ، وغير ذلك، عقلاء، فقال مالك: ما سمعت أن أحدا من أهل الإسلام يفعل هذا. ومن ذلك أيضا ما رواه أبو بكر الخلال في الحث على التجارة ٧٢ قال إسحاق بن داود بن صبيح: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: يا أبا سعيد إن ببلدنا قوما من هؤلاء الصوفية، قال: لا تقرب هؤلاء، فإنا رأينا من هؤلاء قوما، فبعضهم أخرجهم الأمر إلى الجنون، وبعضهم=