ومثل القرآن مستحيل الوجود، فلا يمكن أن يقال: ائتوا من مثله بسورة، لأنهم يقولون: لا مثل للقرآن حتى نأتي منه بسورة ومثل الرسول في البشرية موجود، فيمكن أن يقال: هاتوا من مثله في كونه عربياً أمياً بسورة.
وأما إذا جعلته صفة بسورة فالتعجيز وقع بأن يأتوا بسورة موصوفة بكونها من مثله والتعجيز بالموصوف يكون تارة بفقد الموصوف وتارة بفقد الوصف مع وجود الموصوف عارياً من الوصف فكأنه يقول: لا قدرة لكم على أن تأتوا بسورة موصوفة بكونها من مثل محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا على أن تأتوا بسورة موصوفة بكونها من مثل القرآن، وقال الشيخ تقي الدين السبكي قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}.
قال الزمخشري، من مثله، متعلق بسورة صفة لها أي بسورة كائنة من مثله. وليس مراده التعلق الصناعي، لأن الصفة: إنما تتعلق بمحذوف وقد صرح هو به، ومراده أنه لا يتعلق بقوله:{فَأْتُوا}، ثم قال: والضمير لما نزلنا أو لعبدنا - والأحسن عندي أن يتعلق بعبدنا، وإن علق بما نزلنا فيكون بالنظر إلى خصوصيته فيشمل صفة المنزل في نفسه والمنزل عليه. وإنما قلت ذلك: لأن الله تعالى تحدى بالقرآن في أربع سور، في ثلاث منها بصفته في نفسه. فقال تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ}