[شرح حديث: (قاء فأفطر فتوضأ)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف.
حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر -وهو أحمد بن عبد الله الهمداني الكوفي - وإسحاق بن منصور -قال أبو عبيدة: حدثنا وقال إسحاق: أخبرنا- عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يعيش بن الوليد المخزومي عن أبيه عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر فتوضأ، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له، فقال: صدق، أنا صببت له وضوءه)].
قال أبو عيسى: وقال إسحاق بن منصور: معدان بن طلحة.
قال أبو عيسى: وابن أبي طلحة أصح].
قال أبو عيسى: وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق.
وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء، وهو قول مالك والشافعي.
وقد جود حسين المعلم هذا الحديث، وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب، وروى معمر هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير فأخطأ فيه فقال: عن يعيش بن الوليد عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء، ولم يذكر فيه الأوزاعي، وقال: عن خالد بن معدان، وإنما هو معدان بن أبي طلحة].
وهذا -إن صح- محمول على تعمد القيء، وأنه قد يكون مريضاً، والمريض له أن يتقيأ إن كان مضطراً حتى يزول ما يحس به من التعب والألم، أما إن عصر بطنه، أو أدخل أصابعه في حلقه فتقيأ متعمداً فهذا يفطر.
وأما إذا غلبه القيء وذرعه فلا يفطر، وفي الحديث: (من استقاء عمداً فليقض، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه).
قال الشارح رحمه الله تعالى: وأورده الحافظ في التلخيص بهذا اللفظ، حيث قال: حديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر رواه أحمد وأصحاب السنن الثلاثة وابن الجارود وابن حبان والدارقطني والبيهقي والطبراني وابن منده والحاكم من حديث معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر.
قال معدان: فلقيت ثوبان في مسجد دمشق إلخ، ورواه الطحاوي بهذا اللفظ في شرح الآثار.
فمن يروم الاستدلال بحديث الباب على أن القيء ناقض للوضوء لا بد له من أن يثبت أن لفظ (توضأ) بعد لفظ (قاء) محفوظ، فما لم يثبت هذان الأمران لا يتم الاستدلال.
وقال الشارح: قلت: الاستدلال بحديث الباب موقوف على أمرين: الأول: أن تكون الفاء في (فتوضأ) للسببية، وهو ممنوع كما عرفت، والثاني: أن يكون لفظ (فتوضأ) بعد لفظ (قاء) محفوظاً، وهو محل تأمل، فإنه روى أبو داود هذا الحديث بلفظ (قاء فأفطر)، وبهذا اللفظ ذكر الترمذي في كتاب الصيام حيث قال: وروي عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر.
قال: وإنما معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صائماً فقاء، فضعف (فأفطر) لذلك].
إذاً: المحفوظ في الصيام بلفظ قاء فأفطر، أما (فتوضأ) ففي ثبوتها نظر، ويحتمل أنه توضأ بعد ذلك لسبب آخر غير القيء، وقد تكون فاء (فتوضأ) للسببية، أي: قاء فتوضأ من أجل القيء، فإذا ثبت أن الفاء سببية صار القيء يوجب الوضوء، وفي ثبوتها نظر، لكن في الصيام يحمل على أنه تقيأ متعمداً فأفطر، أما وجوب الوضوء ففيه نظر.