للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (أينام أحدنا وهو جنب)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام.

حدثنا محمد بن مثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ).

قال: وفي الباب عن عمار وعائشة وجابر وأبي سعيد وأم سلمة.

قال أبو عيسى: حديث عمر أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا أراد الجنب أن ينام توضأ قبل أن ينام].

وهذا هو السنة، والحديث أخرجه أصحاب الكتب الستة، وأحمد وابن خزيمة.

وقوله: (نعم إذا توضأ) أمر لا شك فيه، ولا شك في أن الوضوء متأكد، وترك الوضوء مكروه كراهة شديدة، وقوله: (إذا توضأ) هذا الشرط كأن ظاهره الدلالة على الوجوب.

وذهب داود وجماعة إلى الوجوب.

وقوله: (نعم، إذا توضأ) المراد به الوضوء الشرعي لا اللغوي؛ لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة).

قال الحافظ في الفتح: أي: توضأ وضوءاً كما يتوضأ للصلاة، وليس المعنى أنه توضأ لأداء الصلاة، وإنما المراد توضأ وضوءاً شرعياً لا لغوياً.

انتهى.

وقد اختلف العلماء هل هو واجب أو غير واجب؟ فالجمهور قالوا بالثاني، واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء).

وقد تقدم أن فيه مقالاً لا ينتهض معه للاستدلال، وبحديث طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه بغسل واحد ويتوضأ بين كل جماعين، ولا يخفى في أنه ليس فيه على المدعى هنا دليل.

وبحديث ابن عباس مرفوعاً: (إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة) وليس فيه -أيضاً- دليل على المدعى كما لا يخفى، وذهب داود وجماعة إلى الأول لورود الأمر بالوضوء، ففي رواية البخاري ومسلم: (ليتوضأ ثم لينم)، وفي رواية لهما: (توضأ واغسل ذكرك ثم نم).

وعلى هذا تبين أن هذا هو الظاهر والصواب، وقول الجمهور بعدم الوجوب، وقوله: (إذا توضأ) ليس بصريح، لكن قوله: (ليتوضأ ثم لينم) أمر صريح، فالصواب القول بالوجوب.

قال الشوكاني: يجب الجمع بين الأدلة بحمل الأمر على الاستحباب، ويؤيد ذلك أنه أخرج ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما من حديث ابن عمر: (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، ويتوضأ إن شاء)، انتهى.

وهذا السند الذي فيه (إن شاء) حسنه ابن خزيمة، وهذا السند ليس فيه أمر بالوجوب، والأصل في الأوامر الوجوب، لكن لو ثبت صارف للأمر إلى الاستحباب فيصرف ويحتاج إلى ثبوته.

وقوله: (قال داود)، لا شك في أنه قول قوي، والأمر فيه واضح، وهو (ليتوضأ ثم لينم).

قال النووي في شرح مسلم: وأما حديث أبي إسحاق السبيعي عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء)، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم فهو ضعيف، ولو صحح لم يكن مخالفاً.

يعني: لحديث ابن عمر المذكور في الباب وما في معناه، بل كان له جوابان: أحدهما: جواب الإمامين الجليلين أبي العباس بن شريح وأبي بكر البيهقي أن المراد لا يمس ماء للغسل.

والثاني - وهو عندي حسن- أن المراد أنه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء أصلاً لبيان الجواز؛ إذ لو واظب عليه لتوهم وجوبه، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>