للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث علي في سؤاله النبي عن المذي]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في المني والمذي.

حدثنا محمد بن عمرو السواق البلخي حدثنا هشيم عن يزيد بن أبي زياد، ح: وحدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي، فقال: من المذي الوضوء ومن المني الغسل).

قال: وفي الباب عن المقداد بن الأسود وأبي بن كعب.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه: (من المذي الوضوء ومن المني الغسل).

وهو قول عامة أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، وبه يقول سفيان والشافعي وأحمد وإسحاق].

هذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وأخرجه البخاري ومسلم مختصراً.

وفي إسناد الترمذي يزيد بن أبي زياد، وقد عرفت ما فيه من الكلام، وقد صحح الترمذي حديث يزيد هذا في مواضع وحسنه في مواضع كما عرفت في المقدمة، فلعل تصحيحه وتحسينه بمشاركة الأمور الخارجة عن نفس السند من اشتهار المتون ونحو ذلك، وإلا فـ يزيد ليس من رجال الحسن، فكيف الصحيح، ثم إن الحديث من رواية ابن أبي ليلى عن علي، وقد قيل: إنه لم يسمع منه، فيكون الحديث منقطعاً، وعلى هذا فالحديث ضعيف، ولكن المعنى صحيح دلت عليه الأحاديث الصحيحة وهو أن من المني الغسل ومن المذي الوضوء.

والمني هو أصل الولد، وهو أبيض يخرج بقوة وبلذة بدفق ودفعات، وهو طاهر، ويجب فيه الغسل.

وأما المذي فهو ماء لزج أصفر يخرج عند الملاعبة واشتداد الشهوة، وهو يوجب الوضوء فقط، ويوجب -أيضاً- غسل الذكر والأنثنين، وهما الخصيتان، كما جاء في الحديث: (اغسل ذكرك وأنثييك) ولعل الحكمة -والله أعلم- أن يتقلص الخارج، ولا يجب فيه الغسل، وأما من البول فيغسل طرف الذكر، وموضع الخارج فقط.

أما المني فإنه يوجب الغسل، وهو طاهر، والمذي نجس، ونجاسته مخففة كبول الصبي الذي لم يأكل الطعام، فيكفي فيه الرش، كما جاء في الحديث: (فانضحه)، فلما كان الأمر بالنضح كانت نجاسته مخففة، وهو يوجب الوضوء.

فمعنى الحديث صحيح، لكن سنده ضعيف، ففيه زياد بن أبي زياد ضعيف، وفيه انقطاع بين عبد الرحمن بن أبي ليلى وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ويزيد بن أبي زياد الهاشمي يروي عن مولاه عبد الله بن الحارث بن نوفل وأبي جحيفة، ويروي عنه زائدة بن قدامة وأبو عوانة وابن فضيل، وكان من أئمة الشيعة الكبار.

وقال ابن عدي: يكتب حديثه.

وكذلك أبو زرعة، وقال الحافظ شمس الدين الذهبي: هو صدوق بطيئ الحفظ، وقال ابن معين: ضعيف الحديث لا يحتج بحديثه، وقال أبو داود: لا أعلم أحداً ترك حديثه، وغيره أحب إلي منه، قال ابن القيم: مات سنة سبع وثلاثين ومائة، روى له مسلم مقروناً.

والحديث كأنه حسنه الترمذي للشواهد الأخرى، وإلا فهو ضعيف، والمعنى صحيح، وهو أن المني يوجب الغسل والمذي يوجب الوضوء.

والترمذي إذا قال في الحديث: (حسن)، وسكت فالغالب أنه يكون ضعيفاً، وإذا قال: (حسن صحيح) فمعناه أنه لا بأس به.

وهو يتساهل -رحمه الله- في تقوية بعض الضعفاء، مثل علي بن زيد بن جدعان، ومثله الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، فكلاهما يتساهلان في علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف عند الجمهور، ومع ذلك حسن حديثه الترمذي والشيخ أحمد شاكر، وكذلك عبد الله بن عقيل سيئ الحفظ، ومع ذلك يحسنه الترمذي.

وعبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الأوسي أبو عيسى الكوفي روى عن عمر ومعاذ وبلال وأبي ذر، وأدرك مائة وعشرين من الصحابة الأنصاريين، وروى عنه ابنه عيسى ومجاهد وعمرو بن ميمون أكبر منه والمنهال بن عمرو وخلق.

قال عبد الله بن الحارث: ما ظننت أن النساء ولدن مثله، وثقه ابن معين، قال أبو نعيم: مات سنة ثلاث وثمانين.

وقيل: إنه غرق في لجين مع محمد بن الأشعث.

والحديث حسن من أجل الوجوه والطرق الأخرى.

وقد قال أحمد شاكر: وقد أخطأ الشوكاني خطأً شديداً فيما قال؛ فإن عبد الرحمن بن أبي ليلى سمع من علي كما صرح به ابن معين فيما نقله في التهذيب.

وأيضاً: فإن في رواية أحمد في المسند التي أشرنا إليها فيما مضى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول، وابن أبي ليلى ولد قبل وفاة عمر بست سنين، كما نقله ابن أبي حاتم في المراسيل بإسناده، وعمر قتل سنة ثلاث وعشرين، فيكون ابن أبي ليلى ولد سنة سبع عشرة تقريباً، وعلي قتل سنة أربعين، فكان سن ابن أبي ليلى إذ ذاك نحو ثلاث وعشرين سنة.

قال الشوكاني في نيل الأوطار في إسناد الحديث الذي صححه الترمذي يزيد بن أبي زياد، قال علي ويحيى: ضعيف لا يحتج به.

وعلي ويحيى هما علي بن المديني ويحيى بن معين.

وقال ابن المبارك: ارم به، وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث كل أحاديثه موضوعة وباطلة، وقال البخاري: منكر الحديث ذاهب، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن حبان: صدوق، إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير، وكان يتلقن ما لقن، فوقعت المناكير في حديثه، فسماع من سمع منه قبل التغير صحيح.

والترمذي قد صحح حديث يزيد المذكور في مواضع هذا أحدها، وحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم)، وحديث: (أن العباس دخل على النبي صلى الله عليه وسلم مغضباً) وقد حسَّن -أيضاً- حديثه (أدخلت العمرة في الحج) فلعل التصحيح والتحسين بمشاركة الأمور الخارجة عن نفس السند من اشتهار المتون ونحو ذلك، وإلا فإن يزيد ليس من رجال الحسن، فكيف بالصحيح؟! ثم إن الحديث من رواية ابن أبي ليلى عن علي، وقد قيل فيه: إنه لم يسمع منه.

وقد أخطأ الشوكاني خطأ شديداً فيما قال هذا كلام للشيخ أحمد شاكر.

قال: إن عبد الرحمن بن أبي ليلى سمع من علي كما صرح به ابن معين.

فيكون على هذا قد سمع منه، ويبقى فيه علة يزيد بن أبي زياد.

قال: وأما ما نقله الشوكاني في الطعن في يزيد بن أبي زياد فإن أكثره لم نجده في كتب الرجال، وأظن أنه اشتبه عليه الأمر فنقل كلام بعضهم في يزيد بن زياد، ويقال: ابن أبي زياد القرشي الدمشقي وهو خطأ؛ فإن الذي معنا يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي أبو عبد الله الكوفي ويزيد هذا ضعفه بعضهم من قبل أنه شيعي، ومن قبل أنه اختلط في آخر حياته، والحق أنه ثقة.

وعلى كل حال فإنه يكفي أنه من الشيعة وأنه اختلط في آخره، والشيخ أحمد شاكر رحمه الله كان من المتساهلين في هذا مع الترمذي.

<<  <  ج: ص:  >  >>