[شرح حديث جابر في صلاة الرسول الظهر والعصر بعد أكله من شاة]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في ترك الوضوء مما غيَّرت النار.
حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل سمع جابراً رضي الله عنه، قال سفيان: وحدثنا محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، فدخل على امرأة من الأنصار، فذبحت له شاة فأكل، وأتته بقناع من رطب فأكل منه، ثم توضأ للظهر وصلى، ثم انصرف فأتته بُعلَالة من عُلالة الشاة فأكل، ثم صلى العصر ولم يتوضأ)].
عبد الله بن محمد بن عقيل في حفظه شيء، ولكنه هنا متابَع من قبل محمد بن المنكدر، فزال ما كنا نخشاه من خطأ عبد الله بن محمد بن عقيل.
قال الشيخ أحمد شاكر: هذا حديث صحيح ليست له علة.
وقد حاول بعضهم أن يعله، فنقل البيهقي في (المعرفة) عن الشافعي أنه قال: لم يسمع ابن المنكدر هذا الحديث من جابر، وإنما سمعه من عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر، وهو مردود برواية ابن جريج عند أحمد وأبي داود.
قلت: ومحمد بن المنكدر مدلس وقد عنعن هنا، لكن في السند الآخر عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه ضعف، فرواية كل منهما تقوي رواية الآخر وتجبرها.
قال الشيخ أحمد شاكر: والذي دفعهم إلى هذه الشبهة في التعليل -يعني الذين أعلوا هذا الحديث- أن سفيان بن عيينة شك في سماع ابن المنكدر هذا الحديث من جابر، كما روى أحمد عن سفيان: سمعت ابن المنكدر غير مرة يقول: عن جابر، وكأني سمعته مرة يقول: أخبرني من سمع جابراً، وظننته سمعه من ابن عقيل، وابن المنكدر وعبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر فهذا الإسناد يفهم منه أن سفيان سمعه من ابن المنكدر وابن عقيل كلاهما عن جابر، ثم شك في أن ابن المنكدر سمعه من جابر، ولكن غيره لم يشك، واليقين مقدم على الشك.
انتهى.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفي الباب عن أبي بكر الصديق وابن عباس وأبي هريرة وابن مسعود وأبي رافع وأم الحكم وعمرو بن أمية وأم عامر وسويد بن النعمان وأم سلمة رضي الله عنهم.
قال أبو عيسى: ولا يصح حديث أبي بكر في هذا الباب من قبل إسناده، إنما رواه حسام بن مصك عن ابن سيرين عن ابن عباس عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح إنما هو عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا روى الحفاظ.
قلت: وحديث أبي بكر ذكره الشارح فقال: قوله: (وفي الباب عن أبي بكر الصديق) قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم نهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ)، أخرجه أبو يعلى والبزار، وفيه حسام بن مصك وقد أجمعوا على ضعفه، كذا في (مجمع الزوائد).
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وروي من غير وجه عن ابن سيرين عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه عطاء بن يسار وعكرمة ومحمد بن عمرو بن عطاء وعلي بن عبد الله بن عباس وغير واحد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا فيه (عن أبي بكر الصديق)، وهذا أصح.
قال أبو عيسى: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، رأوا ترك الوضوء مما مست النار، وهذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأن هذا الحديث ناسخ للحديث الأول حديث الوضوء مما مست النار].
قلت: وهذا هو الصواب، فيكون ناسخاً له، أو ناسخاً للوجوب مع بقاء الاستحباب، فيجمع بينهما بأن هذا محمول على استحباب الوضوء، وهذا محمول على الجواز، أو على النسخ، وحمله على الاستحباب أولى؛ لأن فيه العمل بالدليلين معاً.