[شرح حديث أنس: (كان أصحاب رسول الله ينامون ثم يقومون ولا يتوضئون)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون].
والمراد بالنوم هنا أنهم كانوا ينعسون، والنعاس لا يضر.
قال رحمه الله تعالى: [قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
قال: وسمعت صالح بن عبد الله يقول: سألت عبد الله بن المبارك عمن نام قاعداً معتمداً فقال: لا وضوء عليه.
قال أبو عيسى: وقد روى حديث ابن عباس سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية، ولم يرفعه.
واختلف العلماء في الوضوء من النوم، فرأى أكثرهم أنه لا يجب عليه الوضوء إذا نام قاعداً أو قائماً حتى ينام مضطجعاً، وبه يقول الثوري وابن المبارك وأحمد.
وقال بعضهم: إذا نام حتى غلب على عقله وجب عليه الوضوء، وبه يقول إسحاق].
قلت: هذا هو الأصل، فإذا نام واستغرق ولم يسمع من حوله، وصار لا يدري ما يجري حوله؛ فهذا يجب عليه الوضوء، وأما إذا نعس نعاساً يسمع معه ما يجري حوله فهذا لا وضوء عليه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال الشافعي: من نام قاعداً فرأى رؤيا، أو زالت مقعدته لوسن النوم فعليه الوضوء].
فهذا يستدل به على أنه نوم مستغرق.
قلت: الراجح أنه إذا نام واستغرق بحيث لا يفهم ما يجري حوله بسبب الاستغراق؛ انتقض وضوؤه، وأما إذا كان نومه نعاساً فلا ينقض الوضوء؛ لأن الصحابة كانوا ينعسون ويغطون في النعاس ثم يقومون إلى الصلاة ولا يتوضئون، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ذلك.
والاستغراق يكون غالباً في نوم المضطجع، وبعض الناس قد يستغرق وهو قائم.
والمراد بالاستغراق هنا الاستغراق في النوم، وأما إذا استغرق ليستريح ولم ينم فلا يعد مستغرقاً في النوم.