شرح حديث ابن عمر: (أن رجلاً سلم على النبي وهو يبول فلم يرد عليه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهة رد السلام غير متوضئ: حدثنا نصر بن علي ومحمد بن بشار قالا: حدثنا أبو أحمد ومحمد بن عبد الله الزبيري عن سفيان عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فلم يرد عليه).
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وإنما يكره هذا عندنا إذا كان على الغائط والبول، وقد فسر بعض أهل العلم ذلك، وهذا أحسن شيء روي في هذا الباب.
قال أبو عيسى: وفي الباب عن المهاجر بن قنفذ وعبد الله بن حنظلة وعلقمة بن الفغواء وجابر والبراء رضي الله عنهم].
والحديث أخرجه مسلم.
قال الشارح رحمه الله تعالى: أما حديث المهاجر بن قنفذ فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة بلفظ: (إنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى فرغ من وضوئه فرد عليه، وقال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة)، وفي لفظ أبي داود: (وهو يبول).
وأما حديث عبد الله بن حنظلة فأخرجه أحمد بلفظ: (إن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وقد بال، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال بيده إلى الحائط، يعني أنه تيمم).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: فيه رجل لم يسم.
انتهى.
وأما حديث علقمة بن الفغواء فأخرجه الطبراني في الكبير بلفظ قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أهرق الماء نكلمه فلا يكلمنا حتى يأتي منزله فيتوضأ وضوءه للصلاة، قلنا: يا رسول الله! نكلمك فلا تكلمنا ونسلم عليك فلا ترد علينا حتى نزلت آية الرخصة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة:٦]).
قال الهيثمي: وفيه جابر الجعفي، وهو ضعيف.
انتهى.
وأما حديث جابر -وهو ابن عبد الله رضي الله عنهما- فأخرجه ابن ماجة وقد تقدم لفظه، وفي الباب عن جابر بن سمرة أيضاً قال: (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلمت عليه فلم يرد علي، ثم دخل بيته ثم خرج، فقال: وعليكم السلام)، أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط، وقال: تفرد به الفضل بن أبي حسان.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: لم أجد من ذكره.
وأما حديث البراء -وهو ابن عازب رضي الله عنهما- فأخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ: (إنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فلم يرد عليه السلام حتى فرغ)، قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه.
انتهى.
قال الشارح رحمه الله: قوله: (فلم يرد عليه) في هذا دلالة على أن المسلم في هذه الحالة لا يستحق جواباً، وهذا متفق عليه بين العلماء، بل قالوا: يكره أن يسلم على المشتغل بقضاء حاجة البول والغائط، فإن سلم كره له رد السلام، ويكره للقاعد لقضاء الحاجة أن يذكر الله تعالى بشيء من الأذكار، فلا يرد السلام، ولا يشمت العاطس، ولا يحمد الله تعالى إذا عطس.
قلت: الكراهة للتحريم، فلا يجوز له أن يتكلم إلا للضرورة، كأن يتكلم -مثلاً- إذا قرب أعمى من حفرة أو ما أشبه ذلك، أما رد السلام فليس له أن يرد وهو على هذه الحالة.
قال الشارح رحمه الله تعالى: وفي حديث جابر بن عبد الله عند ابن ماجة: (أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي، فإنك إن فعلت ذلك لن أرد عليك) ا.
هـ.
وهل يسلم على المتوضئ في المغاسل؟
و
الجواب
لا بأس إذا كانت المغاسل خارج الحمام، أما إذا كانت داخل الحمام فيكون الأمر من هذا الباب.
قال البوصيري في الزوائد: إسناد حديث جابر حسن.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [إنما يكره هذا عندنا إذا كان على الغائط والبول، وقد فسر بعض أهل العلم ذلك.
يريد حديث: (لا يذكر الله إلا على طهر) والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما سلم عليه أتى الحائط وتيمم، ثم رد السلام، وكراهة التنزيه تشمل غير المتوضئ، لكن جاء في بعض الأحاديث أن هذا قبل أن تنزل آية الوضوء.
قال الشارح رحمه الله: قوله (وإنما يكره هذا) أي: رد السلام (إذا كان) أي الذي سلم عليه (على الغائط والبول)، وأما إذا فرغ وقام؛ فلا كراهة في رد السلام، وعلى هذا فلا مطابقة بين الحديث والباب، إذ الحديث خاص والباب عام.
قلت: لكن لعله يريد أن العموم يشمل كراهة التنزيه، وأن الأولى أن لا يرد عليه السلام حتى يتوضأ، لكن كون الإنسان لا يرد السلام إلا إذا كان على وضوء، وأن الكراهة في حقه كراهة تنزيه فيه نظر، فأرى أنه لا بأس برد السلام ولا حرج في ذلك، ويدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه، والسلام من الذكر.