[شرح حديث: (إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء.
حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم قال: (أقيمت الصلاة فأخذ بيد رجل فقدمه، وكان إمام قومه، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء).
قال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وثوبان وأبي أمامة.
قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن الأرقم حديث حسن صحيح، هكذا روى مالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان وغير واحد من الحفاظ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم.
وروى وهيب وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل عن عبد الله بن الأرقم، وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول أحمد وإسحاق، قالا: لا يقوم إلى الصلاة وهو يجد شيئاً من الغائط والبول، وقالا: إن دخل في الصلاة فوجد شيئاً من ذلك فلا ينصرف ما لم يشغله، وقال بعض أهل العلم: لا بأس أن يصلي وبه غائط أو بول ما لم يشغله ذلك عن الصلاة].
قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: قوله: (هكذا روى مالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان وغير واحد من الحفاظ) كـ زهير بن معاوية وسفيان بن عيينة وحفص بن غياث وغيرهم (عن هشام بن عروة عن أبيه) عن عبد الله بن الأرقم، فلم يزيدوا بين عروة وعبد الله بن الأرقم رجلاً.
(وروى وهيب وغيره) كـ أنس بن عياض وشعيب بن إسحاق (عن هشام بن عروة عن رجل عن عبد الله بن الأرقم) فزاد هؤلاء بين عروة وعبد الله بن الأرقم رجلاً.
ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن أيوب بن موسى.
وقال: قوله: (حديث عبد الله بن الأرقم حديث حسن صحيح، وأخرج مالك وأبو داود والنسائي نحوه.
وعن الصحابي راوي الحديث قال ابن حجر في (الإصابة): عبد الله بن الأرقم بن أبي الأرقم واسمه عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري قال البخاري: عبد يغوث جده، وكان خال النبي صلى الله عليه وسلم، أسلم يوم الفتح، وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ولـ أبي بكر وعمر، وكان على بيت المال أيام عمر، وكان أميراً عنده، حدثت حفصة أنه قال لها: لولا أن ينكر علي قومك لاستخلفت عبد الله بن الأرقم، وقال السائب بن يزيد: ما رأيت أخشى لله منه.
وأخرج البغوي من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وآله سلم استكتب عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث وكان يجيب عنه الملوك، وبلغ من أمانته عنده أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك.
وعبد الله بن الأرقم هو شقيق زيد بن الأرقم.
قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: قال عروة: (فأخذ) أي: عبد الله بن الأرقم، (فقدمه) أي: فقدم الرجل ليؤم القوم، (وكان) أي: عبد الله بن الأرقم، (ووجد أحدكم الخلاء) أي: الحاجة إلى الخلاء.
وفي رواية الشافعي: (ووجد أحدكم الغائط فليبدأ بالغائط)، (فليبدأ بالخلاء) وجاز له ترك الجماعة بهذا العذر، وفي رواية مالك: (إذا أراد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة).
قوله: (وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وثوبان وأبي أمامة) أما حديث عائشة فأخرجه مسلم عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)).
أي: إذا كان يدافع الأخبثين - البول والغائط - فلا صلاة، قيل: لا صلاة كاملة، وقيل: لا صلاة صحيحة.
وعلى هذا فإذا صلى وهو يدافع الأخبثين فلا تصح صلاته على أحد الأقوال.
والقول الثاني: أنها صحيحة إذا لم تشغله مع الكراهة؛ لما فيه من التشويش، وكذلك إذا كانت حرارة الطعام فيه شديدة، وتتوق نفسه إليه، فلا بد من أن يأكل، وفي هاتين الحالتين هو معذور، فله ترك صلاة الجماعة.
قال الشارح: ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن أيوب بن موسى عن هشام عن عروة قال: خرجنا في حج أو عمرة مع عبد الله بن الأرقم الزهري فأقام الصلاة ثم قال: صلوا وذهب لحاجته، فلما رجع قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقيمت الصلاة وأراد أحدكم الغائط فليبدأ بالغائط).
فهذا الإسناد يشهد بأن رواية مالك ومن تابعه متصلة بتصريحه بأن عروة سمعه من عبد الله بن الأرقم، وابن جريج وأيوب ثقتان حافظان، ذكره الزرقاني نقلاً عن ابن عبد البر.
إذاً: لا يدخل الشخص الصلاة وهو حاقن أو حاقب أو حاسر، والحاقن: مدافع البول، والحاقب: مدافع الغائط، والحاسر: مدافع الريح.