للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (إنها ليست بنجس)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في سؤر الهرة: حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك -وكانت عند ابن أبي قتادة - أن أبا قتادة دخل عليها، قالت: فسكبت له وضوءاً، قالت: فجاءت هرة تشرب، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟! فقلت: نعم.

قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ليست بنجس؛ إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات).

وقد روى بعضهم عن مالك: (وكانت عند أبي قتادة) والصحيح (ابن أبي قتادة).

قال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، مثل الشافعي وأحمد وإسحاق، لم يروا بسؤر الهرة بأساً، وهذا أحسن شيء روي في هذا الباب، وقد جود مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ولم يأت به أحد أتم من مالك].

قال الشارح رحمه الله تعالى: قوله: (هذا حديث حسن صحيح)، وأخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني.

قال الحافظ في بلوغ المرام: صححه الترمذي وابن خزيمة، وقال في التلخيص: وصححه البخاري والترمذي والعقيلي والدارقطني.

قلت: وهو دليل على طهارة سؤر الهرة، وأما قول أبي هريرة: إن سؤر الهر يغسل مرة؛ فهو اجتهاد منه، وإلا فالحديث يدل على أن سؤر الهرة طاهر، ولا يغسل الإناء إن شربت منه.

ولهذا قال بعض العلماء -كـ ابن حبان وغيره-: إن سؤر الهرة وما دونها في المشقة طاهر، مثل الفأرة وما أشبهها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد بين العلة لدفع المشقة، فقال: (إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات)، فلكثرة دورانها وطوافها على أهل البيت يشق التحرز منها؛ فلهذا كان سؤرها طاهر.

واجتهاد أبي هريرة خالف ما دل عليه الحديث، فهو يرى أن سؤر الهرة يجب غسله مرة، لأنه نجس، والحديث يدل على أن سؤرها طاهر.

قال الشارح رحمه الله تعالى: قال الشوكاني في النيل: والحديث يدل على وجوب الغسلات السبع من ولوغ الكلب، وإليه ذهب ابن عباس وعروة بن الزبير ومحمد بن سيرين وجماعة.

وقال النووي: فيه وجوب غسل نجاسة ولوغ الكلب سبع مرات، وهذا مذهبنا ومذهب مالك والجماهير، وقال أبو حنيفة: يكفي غسله ثلاث مرات.

انتهى.

وقال الحافظ في الفتح: أما الحنفية فلم يقولوا بوجوب السبع ولا التتريب، واعتذر الطحاوي وغيره عنهم بأمور، منها: كون أبي هريرة راويه أفتى بثلاث غسلات، فثبت بذلك نسخ السبع، وتعقب بأنه يحتمل أن يكون أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها، أو كان نسي ما رواه، ومع الاحتمال لا يثبت النسخ.

وأيضاً فقد ثبت أنه أفتى بالغسل سبعاً، ورواية من روى عنه موافقة فتياه، وروايته أصح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر.

أما النظر فظاهر، وأما الإسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه، وهذا من أصح الأسانيد، وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه، وهو دون الأول في القوة بكثير، ومنها أن العذرة أشد في النجاسة من سؤر الكلب].

قال الشارح رحمه الله: قوله: (وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل الشافعي وأحمد وإسحاق لم يروا بسؤر الهرة بأساً) يعني أن سؤر الهرة طاهر من غير كراهة عند هؤلاء الأئمة، وهو قول مالك وغيره من أهل المدينة، والليث وغيره من أهل مصر، والأوزاعي وغيره من أهل الشام، والثوري ومن وافقه من أهل العراق، والشافعي وأصحابه، وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد وعلقمة وإبراهيم وعطاء بن يسار وجماعة، وهو رواية عن محمد، ذكره الزاهدي في شرح مختصر القدوري والطحاوي، كذا في التعليق الممجد، وقال الحنفية: إن سؤر الهرة طاهر مع الكراهة.

واحتج الأولون بأحاديث الباب، وقولهم هو الحق والصواب.

واحتج الحنفية بأن أحاديث الباب تدل على طهارته، والأمر بغسل الإناء لولوغ الهرة -وكذلك كونها سبعاً- يدل بظاهره على نجاسته، فأثبتوا حكم الكراهة عملاً بهما.

ورد احتجاجهم هذا بأن الأمر بغسل الإناء لولوغ الهرة لم يثبت، وأما ما ورد في حديث أبي هريرة المذكور في الباب المتقدم من الأمر بغسل الإناء بولوغ الهرة بلفظ: (وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة)، فقد عرفت أنه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو مدرج.

وقال القاري في المرقاة بعد ذكر بعض أحاديث الباب ما لفظه: وأما خبر (يغسل الإناء من ولوغ الكلب سبعاً ومن ولوغ الهرة مرة) فمدرج من قول أبي هريرة كما بينه البيهقي وغيره، وإن خفي على الطحاوي، ولذا قال: سؤر الهرة مكروه كراهة تحريم.

قال: وأما ما اشتهر بين الناس من أنه صلى الله عليه وسلم قطع ذيل ثوبه الذي رقدت عليه هرة فلا أصل له.

انتهى].

قلت: الحاصل أنه يحمل على أنه اجتهاد من أبي هريرة رضي الله عنه، والصواب أن سؤر الهرة طاهر.

قال الشارح رحمه الله تعالى: وأما حديث: (حب الهرة من الإيمان) فموضوع على ما قاله جماعة كـ الصنعاني، ذكره القاري.

قلت: قوله: (إنها من الطوافين عليكم والطوافات)، أي: يشق دورانها وطوافها، ولم يذكر استحباب تربيتها، وأقل أحوال ذلك هو الإباحة إذا احتاج إلى ذلك.

فإن قيل: هل جسد الهرة طاهر؟ فالجواب أن الجسد طاهر، أما بولها فنجس.

<<  <  ج: ص:  >  >>