للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (سئل رسول الله عن الوضوء من لحوم الإبل)]

قال المصنف رحمه الله: [باب: ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل.

حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فقال: توضئوا منها، وسئل عن الوضوء من لحوم الغنم؟ فقال: لا تتوضئوا منها)].

هذا الحديث دليل على وجوب الوضوء من أكل لحوم الإبل، وهو حديث صحيح ثابت، ومثله حديث جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا من لحوم الإبل، ولا تتوضئوا من لحوم الغنم)، وهذا خاص بلحم الإبل، سواءٌ أكان نيئاً أم مطبوخاً، وأما حديث جابر بن عبد الله (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) فهو عام يستثنى منه لحوم الإبل.

وذهب الجمهور إلى أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وظنوا أنه داخل في عموم حديث جابر: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، والصواب أن لحم الإبل مخصص من هذا العموم للأدلة السابقة، لذا فأكل لحوم الإبل ينقض الوضوء مطبوخاً كان أو نيئاً، ولو لم تمسه النار، وإلى هذا ذهب طائفة من أهل الحديث ومنهم: الإمام أحمد وابن خزيمة وجماعة من أهل الحديث.

والصواب أن هذا النقض عام بجميع أجزاء الإبل، فالله تعالى لما حرم لحم الخنزير قال: {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} [الأنعام:١٤٥] فشمل شحمه بالإجماع.

وقال بعض العلماء: إن النقض خاص بلحم الإبل الأحمر فقط، وأما الكرش والشحم والرأس والعصب فلا ينقض، والصواب أن جميع أجزاء الإبل تنقض، وأما مرق الإبل ولبنها فلا ينقض الوضوء.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفي الباب عن جابر بن سمرة وأسيد بن حضير.

قال أبو عيسى: وقد روى الحجاج بن أرطاة هذا الحديث عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير، والصحيح حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب، هو قول أحمد وإسحاق، وروى عبيدة الضبي عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ذي الغرة الجهني.

وروى حماد بن سلمة هذا الحديث عن الحجاج بن أرطاة فأخطأ فيه، وقال فيه: عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن أسيد بن حضير، والصحيح: عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب.

قال إسحاق: صح في هذا الباب حديثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: حديث البراء، وحديث جابر بن سمرة.

وهو قول أحمد وإسحاق، وقد روي عن بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم أنهم لم يروا الوضوء من لحوم الإبل، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة].

قلت: وهو قول غيرهم أيضاً، كـ مالك والشافعي وجماعة.

قال في (تحفة الأحوذي): قوله: (فقال: توضئوا منها) فيه دليل على أن أكل لحوم الإبل ناقض للوضوء.

قال النووي: اختلف العلماء في أكل لحوم الجزور، فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء.

قلت: الأكثرون هنا هم الجمهور، وكلام الترمذي السابق: [وقد روي عن بعض التابعين]، كأنه يشير به إلى أنه قول الأقل.

قال النووي: اختلف العلماء في أكل لحوم الجزور، فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء، وممن ذهب إليه الخلفاء الأربعة الراشدون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وأبو الدرداء وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وجماهير التابعين، ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم.

وذهب إلى انتقاض الوضوء به أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن يحيى وأبو بكر بن المنذر وابن خزيمة، واختاره الحافظ أبو بكر البيهقي، وحُكيَ عن أصحاب الحديث مطلقاً، وحكي عن جماعة من الصحابة.

واحتج هؤلاء بحديث جابر بن سمرة الذي رواه مسلم، قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان: حديث جابر وحديث البراء، وهذا المذهب أقوى دليلاً، وإن كان الجمهور على خلافه.

قلت: صدق، وقوله بأن هذا قول الخلفاء الأربعة فيه نظر؛ فإن ذلك يحتاج إلى ثبوت النقل عنهم، ثم كيف يخفى هذا على الخلفاء الأربعة ولاسيما الشيخين؟! فبعيد أن يخفى عليهم مثل هذا الحكم.

قال: وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بحديث جابر: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، ولكن هذا الحديث عام، وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص، والخاص مقدَّم على العام.

انتهى.

قال الحافظ في (التلخيص): قال البيهقي: حكى بعض أصحابنا عن الشافعي قال: إن صح الحديث في لحوم الإبل قلت به.

قال البيهقي: قد صح فيه حديثان: حديث جابر بن سمرة وحديث البراء، قاله أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.

انتهى.

قلت: فيكون مذهباً له.

<<  <  ج: ص:  >  >>