[شرح حديث: (إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل.
حدثنا أبو موسى محمد بن مثنى قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا).
قال: وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو ورافع بن خديج].
وهذا الحديث رواه الشيخان، وفي لفظ لـ مسلم: (إذا التقى الختانان وجب الغسل وإن لم ينزل) والمراد بالتقاء الختانين: مجاوزة الختان الختان، وهي: إدخال طرف الذكر في الفرج، فإذا غيب طرف الذكر والحشفة فهو التقاء الختانين، وليس المراد بالالتقاء المس فقط؛ لأنه لا يلتقي الختانان إلا بالإدخال، فلا بد من أن يدخل طرف الذكر في فرج المرأة، فإذا غيب الحشفة التقى الختانان، فيجب الغسل وإن لم ينزل، وبعض الناس يظن أنه إذا لم ينزل لا يجب الغسل، لا، بل يجب الغسل، وهذا كان في أول الإسلام، وهو أنه إذا لم ينزل لا يجب عليه الغسل، وإنما يغسل ذكره ويتوضأ، ثم نسخ ذلك بما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) ولـ مسلم وأحمد: (وإن لم ينزل) وهذه الزيادة (فعلته أنا ورسول الله) ليست موجودة في الصحيحين، وأصل الحديث في الصحيحين.
وكذلك حديث الماء، وهذا قال عنه بعضهم: إنه منسوخ، ولكنه باقٍ في الاحتلام، والاحتلام لا بد فيه من الإنزال، فقوله: (الماء) أي: ماء الغسل، و (من الماء) ماء المني، فهذا نسخ بحديث: (إذا التقى الختانان) وبقي (الماء من الماء) في الاحتلام.
والغسل له موجبات، منها الجماع ومنها الإنزال، ويجب الغسل من الإنزال ولو لم يجامع، فإذا أنزل في اليقظة أو في النوم وجب عليه الغسل، فهذا موجب وهذا موجب.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد حدثنا وكيع عن سفيان عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل).
قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح].
هذا الحديث فيه: علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، لكن الحديث أصله في الصحيحين.
والترمذي رحمه الله يتساهل في الحكم، فلا يضعف علي بن زيد، والجمهور على أنه ضعيف.
وعلي بن زيد بن جدعان التيمي البصري أصله حجازي، وهو ضعيف، روى عن ابن المسيب، وعنه قتادة والسفيانان والحمادان وخلق.
وقال أحمد وأبو زرعة: ليس بالقوي، وقال ابن خزيمة: سيئ الحفظ.
وقال شعبة: حدثنا علي بن زيد قبل أن يختلط، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة.
وقد صححه ابن حبان وابن القطان، وأعله البخاري؛ لأن الأوزاعي أخطأ فيه.
وكذلك أحمد شاكر مثل الترمذي متساهل في الحكم رحمهما الله، فكلاهما كانا يتساهلان في علي بن زيد بن جدعان وغيره من الضعفاء، فيتساهلون في تحسين أحاديثهم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد روي هذا الحديث عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه: (إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل).
وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة والفقهاء من التابعين، ومن بعدهم، مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا التقى الختانان وجب الغسل].
قال الشارح: والحديث صححه ابن حبان وابن القطان، وأعله البخاري بأن الأوزاعي أخطأ فيه، ورواه غيره عن عبد الرحمن بن القاسم مرسلاً، واستدل على ذلك بأن أبا الزناد قال: سألت القاسم بن محمد: سمعت في هذا الباب شيئاً؟ قال: لا.
وأجاب من صححه بأنه يحتمل أن يكون القاسم قد نسيه، ثم تذكر فحدث به ابنه، أو كان حدث به ثم نسي، ولا يخلو الجواب عن نظر، قال الحافظ وأصله في مسلم بلفظ: (إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل).
وقال النووي: هذا الحديث أصله صحيح، لكن فيه تغير، وتبع في ذلك ابن الصلاح.
والمقصود أن الحديث ثابت، وأن مجاوزة الختان الختان توجب الغسل، والجماع يوجب الغسل، بمعنى: تغييب الحشفة في الفرج وإن لم ينزل.
وأما زيادة علي فالحديث ثابت من غيرها، والحديث يثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله أو تقريره، والقول أبلغ من الفعل.