شرح حديث: (إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحاً بين إليتيه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحاً بين إليتيه فلا يخرج حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)].
أي: أن المقصود حتى يتحقق؛ لأنه دخل في الوضوء بيقين، فلا يخرج منه بشك، فاليقين لا يزول بالشك، وقد جاء في الحديث الصحيح عند أبي داود: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه فلا يخرج حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً).
قال رحمه الله تعالى: [قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول العلماء أن لا يجب عليه الوضوء إلا من حدث، يسمع صوتاً أو يجد ريحاً].
أي أن المراد التحقق، وذلك بسماع صوت، أو أن يجد ريحاً، أو أن يجد بللاً على ذكره مثلاً، فالمراد أن يتحقق.
قال رحمه الله تعالى: [وقال عبد الله بن المبارك: إذا شك في الحدث؛ فإنه لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن استيقاناً يقدر أن يحلف عليه.
وقال: إذا خرج من قُبُل المرأة الريح وجب عليها الوضوء، وهو قول الشافعي وإسحاق].
قلت: الريح إنما تخرج من الدبر فقط لا من القبل، فإذا خرج من قبل المرأة فليس بريح.
قال صاحب (تحفة الأحوذي): وقال أصحاب أبي حنيفة: خروج الريح من القبل لا يوجب الوضوء.
وقال القاري في (المرقاة): توجيه قول الحنفية أنه نادر فلا يشمله النص، كذا قيل، والصحيح ما قاله ابن الهمام من أن الريح الخارج من الذكر اختلاج لا ريح، فلا ينقض، كالريح الخارجة من جراحة في البطن.
انتهى.
قلت: وكذلك إذا خرج من قبل المرأة فليس بريح.
قال: وقال بعض علماء الحنفية في شرحه (لشرح الوقاية): اتفق أصحابنا على أن الريح الخارجة من الدبر ناقضة، واختلفوا في الخارجة من الذكر وقبل المرأة: فروى القدوري عن محمد: أنه يوجب الوضوء، وبه أخذ بعض المشايخ.
وقال أبو الحسن: لا وضوء فيهما، إلا أن تكون المرأة مفضاة، والمفضاة: هي التي اختلط سبيلاها: القبل والدبر، وقيل: مسلك البول والحيض، فيستحب لها الوضوء، وكان الشيخ أبو حفص الكبير يقول: إذا كانت المرأة مفضاة يجب عليها الوضوء، وإن لم تكن مفضاة لا يجب، وهكذا ذكر هشام في نوادره عن محمد.
قلت: هذا صحيح؛ لاحتمال أن تكون من الدبر، وفي هذه الحالة يجب الوضوء.
قال: ومن المشايخ من قال في المفضاة: إذا كان الريح منتناً يجب الوضوء، وما لا فلا، كذا في (الذخيرة)].
قلت: خروج الريح من قبل المرأة لا يوجب الوضوء، لكن ذلك من باب الاحتياط، ولاسيما إذا كان يخرج بدون اختيارها، فهذا أمر لا حيلة لها فيه، فلعل عبد الله بن المبارك ذكر ذلك من باب الاحتياط.
وذكر المسجد في هذا الحديث ليس بقيد، فلو كان خارج المسجد فلا يجب عليه الوضوء إلا إذا تيقن أو غلب على ظنه الحدث.