للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الوضوء من مس الذكر.

حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ).

قال: وفي الباب عن أم حبيبة وأبي أيوب وأبي هريرة وأروى بنت أنيس وعائشة وجابر وزيد بن خالد وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم].

قلت: قال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب.

أي: حديث بسرة بنت صفوان، وهو يوجب الوضوء من مس الذكر إذا مس اللحم اللحم من دون حائل، وأما إذا مسه من وراء قفازين، أو من وراء الثوب فلا.

والمراد بالكف هنا ظاهر الكف أو باطنه، فإذا مس ذكره بظهر كفه أو بطنها انتقض وضوؤه، وأما إذا مسه بذراعه، أو برجله، أو مسه من وراء حائل فلا.

وهو أصح من حديث طلق بن علي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا مس ذكره فقال: (هو بضعة منك) فهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم قديماً حين جاءه طلق بن علي وهو يبني مسجده عليه الصلاة والسلام، فهو منسوخ بحديث بسرة عند جمع من أهل العلم، وهو أرجح وأصح عند آخرين، ولهذا قال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب.

قال رحمه الله تعالى: [قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهكذا روى غير واحد مثل هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة.

وروى أبو أسامة وغير واحد هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، حدثنا بذلك إسحاق بن منصور حدثنا أبو أسامة بهذا.

وروى هذا الحديث أبو الزناد عن عروة عن بسرة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حدثنا بذلك علي بن حجر قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن بسرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق، قال محمد: وأصح شيء في هذا الباب حديث بسرة].

قلت: محمد هو البخاري.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال أبو زرعة: حديث أم حبيبة في هذا الباب أصح، وهو حديث العلاء بن الحارث عن مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة رضي الله عنها.

وقال محمد: لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان، وروى مكحول عن رجل عن عنبسة غير هذا الحديث، وكأنه لم ير هذا الحديث صحيحاً].

قال صاحب التحفة: قوله: (وفي الباب عن أم حبيبة وأبي هريرة وأروى بنت أنيس وعائشة وجابر وزيد بن خالد وعبد الله بن عمرو)، وأيضاً في الباب عن سعد بن أبي وقاص وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وطلق بن علي والنعمان بن بشير وأنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة.

فأما حديث أم حبيبة فأخرجه ابن ماجه والأثرم، وصححه أحمد وأبو زرعة، كذا في (المنتقى).

وقال الخلال في العلل: صحح أحمد حديث أم حبيبة، وقال ابن السكن: لا أعلم به علة.

كذا في (التلخيص).

وأما حديث أبي أيوب فأخرجه ابن ماجة.

وأما حديث أبي هريرة فتقدم تخريجه، وأما حديث أروى ابنة أنيس -بضم الهمزة وفتح النون مصغراً- فأخرجه البيهقي، قال الحافظ في (التلخيص): وسأل الترمذي البخاري عنه فقال: ما تصنع بهذا؟! لا تشتغل به.

وأما حديث عائشة فأخرجه الدارقطني وضعفه، قال الحافظ: وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو.

وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه والأثرم، وقال ابن عبد البر: إسناده صالح.

وقال الضياء: لا أعلم بإسناده بأساً.

وقال الشافعي: سمعت جماعة من الحفاظ غير ابن نافع يرسلونه.

وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه أحمد والبزار.

وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد والبيهقي من طريق بقية حدثني محمد بن الوليد الزبيدي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه: (أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ).

قال الترمذي في (العلل) عن البخاري: هو عندي صحيح.

وأما حديث سعد بن أبي وقاص فأخرجه الحاكم.

وأما حديث أم سلمة فذكره الحاكم.

وأما حديث ابن عباس فأخرجه البيهقي، وفي إسناده الضحاك بن حمزة، وهو منكر الحديث.

وأما حديث ابن عمر فأخرجه الدارقطني والبيهقي.

وأما حديث طلق بن علي فأخرجه الطبراني وصححه.

وأما حديث النعمان بن بشير فذكره ابن منده.

قلت: قال الطبراني: حدثنا الحسن بن علي الفسوي حدثنا محمد بن محمد الحنفي حدثنا حماد بن محمد الحنفي قال: حدثنا أيوب بن عتبة عن قيس بن أيوب بن عتبة عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس فرجه فليتوضأ)].

وقال: لم يروه عن أيوب بن عتبة إلا حماد بن محمد، وقد روى الحديث الآخر حماد بن محمد، وهما عندي صحيحان، ويشبه أن يكون سمع الحديث الأول من النبي صلى الله عليه وسلم -يعني السابق قبل هذا- ثم سمع هذا بعد، فوافق حديث بسرة وأم حبيبة وأبي هريرة وزيد بن خالد الجهني.

قلت: وكل هذه الروايات تقوي حديث بسرة، وتدل على أن العمل عليه دون حديث طلق بن علي: (إنما بضعة منك)، بل قد روي عن طلق بن علي نفسه حديث: (من مس فرجه فليتوضأ)، وفيه بعض الضعف، وهو يوافق حديث بسرة، فهو يؤيد أن حديث طلق بن علي الأول إما منسوخ، أو مرجوح بتقديم حديث بسرة بنت صفوان عليه.

وأما من قال: إن هذا الحديث يدل على الاستحباب جمعاً بينه وبين حديث طلق بن علي فليس بظاهر؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على الاستحباب.

فالصواب أن حديث طلق إما منسوخ أو ضعيف، وأنه يجب الوضوء من ذلك، فالأحاديث صريحة في وجوب الوضوء.

قال الشارح: وقال الحافظ الحازمي في كتاب (الاعتبار): وممن روي عنه الإيجاب -يعني إيجاب الوضوء من مس الذكر- من الصحابة: عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب الأنصاري وزيد بن خالد وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر وعائشة وأم حبيبة وبسرة بنت صفوان وسعد بن أبي وقاص -في إحدى الروايتين- وابن عباس -في إحدى الروايتين- رضوان الله عليهم أجمعين، ومن التابعين: عروة بن الزبير وسليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح وأبان بن عثمان وجابر بن زيد والزهري ومصعب بن سعد ويحيى بن كثير عن رجال من الأنصار، وسعيد بن المسيب -في أصح الروايتين- وهشام بن عروة والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعي وأحمد وإسحاق، والمشهور من قول مالك أنه كان يوجب منه الوضوء.

اهـ قلت: وهذا الحكم عام؛ لأن الأحاديث التي فيها لفظة: (فرج) تشمل الرجال والنساء، ويجب الوضوء من المس ولو كان بدون قصد.

وبعضهم يسأل عن القابلة تضع قضيباً في يدها فتولد المرأة الحامل، فهل ينتقض وضوءها؟ فنقول: نعم ينتقض، وهذه حالة ليست دائمة، بل هي نادرة، فينبغي لها أن تتوضأ ولا يكلفها ذلك شيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>