[شرح حديث عائشة: (كان رسول الله إذا حضت يأمرني أن أتزر ثم يباشرني)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في مباشرة الحائض.
حدثنا بندار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضت يأمرني أن أتزر ثم يباشرني).
قال: وفي الباب عن أم سلمة وميمونة.
قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق].
والحديث رواه البخاري ومسلم رحمهما الله.
وقول عائشة (يباشرني): مأخوذ من المباشرة، وهي الملامسة، من لمس بشرة الرجل بشرة المرأة، وقد ترد المباشرة بمعنى الجماع، والمراد هاهنا هو المعنى الأول بالإجماع.
واستدل أبو حنيفة ومالك والشافعي بهذا الحديث، وقالوا: تحرم ملامسة الحائض من السرة إلى الركبة، وعند أبي يوسف ومحمد! -وفي وجه لأصحاب الشافعي - أنه يحرم المجامعة فحسب، ودليلهم قوله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) رواه مسلم من حديث أنس.
كذا نقله الطيبي، ولعل قوله صلى الله عليه وسلم لبيان الرخصة، وفعله عزيمة تعليماً للأمة؛ لأنه أحوط، فإن من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ويؤيده ما ورد عن معاذ بن جبل قال: (قلت: يا رسول الله! ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: ما فوق الإزار، والتعفف عن ذلك أفضل)، رواه أبو داود وغيره، كذا في المرقاة.
وقال الحافظ في الفتح: وذهب كثير من السلف والثوري وأحمد وإسحاق إلى أن الذي يمتنع من الاستمتاع بالحائض الفرج فقط، وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية، ورجحه الطحاوي، وهو اختيار أصبغ من المالكية، وأحد القولين أو الوجهين للشافعية، واختاره ابن المنذر، وقال النووي: هو الأرجح دليلاً؛ لحديث أنس في مسلم: (اصنعوا كل شيء إلا الجماع)، وحملوا حديث الباب وشبهه على الاستحباب جمعاً بين الأدلة.
اهـ.
وهذا هو الأقرب؛ لحديث أنس عند مسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)، وكونه يأمرها أن تتزر لما بين السرة والركبة أحوط وأبعد عن الوقوع في الإثم، وإلا فالممنوع هو الجماع؛ لقول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:٢٢٢].
قال ابن دقيق العيد: ليس في حديث الباب ما يقتضي منع ما تحت الإزار؛ لأنه فعل مجرد.
اه.
ويدل على الجواز -أيضاً- ما رواه أبو داود بإسناد قوي عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً).
وقال العيني في عمدة القاري: النوع الثالث: المباشرة فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر.
فعند أبي حنيفة حرام، وهو رواية عن أبي يوسف، وهو الوجه الصحيح للشافعية، وهو قول مالك وقول أكثر العلماء، منهم سعيد بن المسيب وشريح وطاوس وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة، وعن محمد بن الحسن وأبي يوسف في رواية: يتجنب شعار الدم فقط، وممن ذهب إليه عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والحكم والثوري والأوزاعي وأحمد وأصبغ وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر وداود، وهذا أقوى دليلاً؛ لحديث أنس: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)، واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم في مباشرته على ما فوق الإزار محمول على الاستحباب، وقول محمد هو المنقول عن علي وابن عباس وأبي طلحة رضي الله تعالى عنهم.
انتهى كلام العيني.