للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرح حديث عائشة: (أن النبي قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ)

قال المصنف رحمه الله: [باب: ما جاء في تَرك الوضوء من القبلة.

حدثنا قتيبة وهناد وأبو كريب وأحمد بن منيع ومحمود بن غيلان وأبو عمار الحسين بن حريث قالوا: حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، قال: قلت: من هي إلا أنت؟ قال: فضحكت).

قال أبو عيسى: وقد روي نحو هذا عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، قالوا: ليس في القبلة وضوء.

وقال مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق: في القبلة وضوء، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين].

قلت: لأن القبلة مس، فالقبلة بالفم مس للمرأة، وفاعل ذلك ينتقض وضوؤه عند الشافعية والحنابلة، وكذلك ينتقض وضوؤه إذا كان عن شهوة، والمعروف أن القبلة إنما تكون عن شهوة، والصواب أن المس لا ينقض الوضوء، سواء أكان عن شهوة أم عن غير شهوة، إلا إذا خرج منه شيء فإنه ينتقض الوضوء، وأما قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:٤٣] فالمراد به الجماع.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا لأنه لا يصح عندهم؛ لحال الإسناد].

قال صاحب (تحفة الأحوذي): فهو ضعيف، لكن قال الشوكاني في (النيل): الضعيف منجبر بكثرة رواياته، وبحديث لمس عائشة رضي الله عنها لبطن قدم النبي صلى الله عليه وسلم، والاعتذار عن حديث عائشة في لمسها لقدمه بما ذكره ابن حجر في (الفتح) من أن اللمس يحتمل أنه كان بحائل، أو أن ذلك خاص به تكلف ومخالفة للظاهر.

انتهى كلامه.

وهذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة.

قال صاحب (تحفة الأحوذي): قوله: (عن عروة) قال الحافظ الزيلعي في (نصب الراية): لم ينسب الترمذي عروة في هذا الحديث أصلاً، وأما ابن ماجة فإنه نسبه فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة فذكره، وكذلك رواه الدارقطني، ورجال هذا السند كلهم ثقات.

انتهى وكذلك قال الحافظ ابن حجر، وقال: وأيضاً فالسؤال الذي في رواية أبي داود ظاهر في أنه ابن الزبير؛ لأن المزني -يعني عروة المزني - لا يجسر أن يقول ذلك الكلام لـ عائشة.

انتهى كلام الحافظ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا؛ لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد، قال: وسمعت أبا بكر العطار البصري يذكر عن علي بن المديني قال: ضعف يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث جداً، وقال: هو شبه لا شيء، قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث، وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة].

قال صاحب (تحفة الأحوذي): قوله: (وقال: هو شبه لا شيء) يعني أنه ضعيف، والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة.

قال ابن أبي حاتم في كتاب (المراسيل): ذكر أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال: لم يسمع حبيب بن أبي ثابت عن عروة، وكذلك قال أحمد: لم يسمع من عروة.

انتهى.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد روي عن إبراهيم التيمي عن عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ)، وهذا لا يصح أيضاً، ولا نعرف لـ إبراهيم التيمي سماعاً من عائشة، وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء].

قلت: حبيب بن أبي ثابت ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس، كما في (التقريب).

وقد اختلف في عروة هذا هل هو ابن الزبير أو المزني، والصواب أنه عروة بن الزبير؛ لأن عروة المزني لا يجرؤ على أن يسأل عائشة هذا السؤال.

وقال أبو داود: ولقد ثبت في أحاديث أخر أن حبيب بن أبي ثابت يروي عن عروة بن الزبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>