للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما جاء في ماء البحر أنه طهور]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور.

حدثنا قتيبة عن مالك ح وحدثنا الأنصاري إسحاق بن موسى قال حدثنا معن قال حدثنا مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة -من آل ابن الأزرق- أن المغيرة بن أبي بردة -وهو من بني عبد الدار - أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه الحل ميتته)].

هذا الحديث فيه دليل على طهورية ماء البحر وفيه أنه ينبغي للمفتي أن يزيد السائل إذا كان يحتاج لذلك، فإن السائل قد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن التطهر بماء البحر، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بحكم ميتته؛ لأنه قد يحتاج إلى معرفة حكم الميتة ما دام أنه يركب البحر، فلهذا قال: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)، ففيه زيادة المفتي على سؤال المستفتي إذا كان متعلقاً به ويحتاج إليه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفي الباب عن جابر والفراسي رضي الله عنهما.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو بكر وعمر وابن عباس رضي الله عنهم، لم يروا بأساً بماء البحر.

وقد كره بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء بماء البحر، منهم: ابن عمر وعبد الله بن عمرو، وقال عبد الله بن عمرو: وهو نار].

يعني: أصل النار.

قال المباركفوري في شرح الترمذي: قوله: (وقال عبد الله بن عمرو: وهو نار) قال القاضي أبو بكر بن العربي: أراد به طبق النار؛ لأنه ليس بنار في نفسه.

انتهى.

وقيل: إنه أراد أنه ضار يورث المرض.

ما قال ابن العربي هو الراجح وهو الظاهر، قال الشوكاني في (النيل): فإن قيل: كيف شكّوا في جواز الوضوء بماء البحر؟ قلنا: يحتمل أنهم لما سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تركب البحر إلا حاجاً، أو معتمراً، أو غازياً في سبيل الله؛ فإن تحت البحر ناراً، وتحت النار بحراً) أخرجه أبو داود وسعيد بن منصور في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً؛ فظنوا أنه لا يجزئ التطهر به، وقد روي موقوفاً على ابن عمر بلفظ: (ماء البحر لا يجزئ من وضوء ولا جنابة؛ إن تحت البحر ناراً، ثم ماءً، ثم ناراً حتى عدّ سبعة أبحر وسبعة أنيار).

وروي أيضاً عن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه لا يجزئ التطهر به، ولا حجة في أقوال الصحابة، لاسيما إذا عارضت المرفوع والإجماع.

وحديث ابن عمر المرفوع قال فيه أبو داود: رواته مجهولون، وقال الخطابي: ضعفوا إسناده، وقال البخاري: ليس هذا الحديث بصحيح، وله طريق أخرى عند البزار، وفيها ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف.

قال الشيخ أحمد شاكر: هذا رأي لـ عبد الله بن عمر إن صح إسناده إليه.

قال صاحب التحفة: وقد صحح هذا الحديث غير الترمذي، كـ ابن المنذر وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن مندة وأبو محمد البغوي، كذا في (قوت المفتدي)، والحديث أخرجه أيضاً مالك والشافعي عنه، والأربعة، وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي، وصححه البخاري فيما حكى عنه الترمذي، كذا (في التلخيص).

<<  <  ج: ص:  >  >>