ورد في مجلة الإصلاح الإماراتية في قسم الفتوى حكم التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالأنبياء والصالحين، ثم ساق الكاتب أدلة على جوازه، فما قولكم؟
الجواب
التوسل بالأنبياء والصالحين فيه تفصيل، فإن كان المقصود التوسل بمحبة الأنبياء والإيمان بهم فهذا مشروع، كأن تقول: أتوسل إليك بمحبة نبيك وإيماني به، فهذا جائز، أما التوسل بذواتهم فهذا من البدع، مثل التوسل بذات فلان أو بجاه فلان أو حق فلان، فهذا من البدع، وكون الكاتب يستدل على جواز التوسل بالأنبياء والصالحين مطلقاً بقوله تعالى في سورة الإسراء:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}[الإسراء:٥٧]، ويقول: الوسيلة: القربى، وقيل: الدرجة، وقوله:(أيهم أقرب) معناه: ينظرون أيهم أقرب إلى الله تعالى فيتوسلون به، نقول: لا، فالآية:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}[الإسراء:٥٧]، المراد بالوسيلة فيها: هي التقرب إلى الله بطاعته، فيرجون رحمته ويخافون عذابه.
ثم قال الكاتب: كما قال البغوي وغيره في التفسير، وأيضاً لما أخرجه الترمذي وابن ماجة في سننهما والنسائي في عمل اليوم والليلة والطبراني والحاكم والبيهقي وصححوه عن عثمان بن حنيف:(أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك، قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم فشفعه في، قال عثمان بن حنيف: والله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر قط) والأدلة في ذلك متظافرة! أقول: هذا الحديث يسمى حديث الضرير، وقد اختلف العلماء: هل هو صحيح أو ضعيف؟! والصواب أنه صحيح، ولكن فيه التوسل بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وبدعائه وهو حي، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعو وهو يؤمن، ولهذا قال:(اللهم شفع في نبيك) يعني: اقبل دعاءه، فهذا توسل في حياته بدعائه، وهذا ليس فيه إشكال، وليس فيه خلاف، فكونك تتوسل بدعاء حي حاضر يدعو الله لك لا بأس به، لكن التوسل بميت ممنوع، ولهذا كان الصحابة يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويستسقون به إذا أجدبوا، وكان عليه الصلاة والسلام يدعو وهم يؤمنون، فلما مات عليه الصلاة والسلام توسلوا بـ العباس.
وكان عمر إذا أجدب قال:(اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، قم -يا عباس - فادع الله) فلو كانوا يتوسلون بذاته لتوسلوا بذاته وهو في قبره عليه الصلاة والسلام، لكن لما عدلوا عن التوسل به بعد موته إلى العباس دل على أنهم كانوا يتوسلون بدعائه في حياته، فلما مات صار هذا غير ممكن.
فالتوسل بالأنبياء والصالحين بذواتهم هذا ممنوع عند أهل السنة والجماعة وهو من البدع، كالتوسل بذات الرسول أو بجاهه أو بحقه، فهذا ممنوع، وهو من البدع، أما التوسل بمحبة الرسول والإيمان به واتباعه فهذا هو أصل الدين وهو جائز.
ثم قال الكاتب: ولا فرق في ذلك بين حياتهم ومماتهم، وذلك لأن التوسل في الحقيقة ليس بذواتهم المجردة، وإنما هو بما لهم من منزلة ومكانة وجاه عند الله سبحانه وتعالى، فهو باق في الحياة وبعد الممات.
أقول: هذا خطأ، والصواب أن التوسل بهم في حياتهم فقط بدعائهم، أما بعد الموت فلا يتوسل بهم، إلا إذا توسل بالإيمان بالأنبياء ومحبة الصالحين فلا بأس؛ لأن الإيمان بالرسول ومحبة الصالحين هو عملك أنت، أما التوسل بذواتهم فهذا ممنوع، فلا يتوسل بهم إلا في حياتهم بدعائهم، أما بعد الموت فممنوع، ولهذا يتبين أن هذا خطأ على طريقة أهل البدع.