[ما جاء في تخليل اللحية]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: في ما جاء في تخليل اللحية.
حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية عن حسان بن بلال قال: (رأيت عمار بن ياسر توضأ فخلل لحيته، فقيل له، أو قال: فقلت له: أتخلل لحيتك؟ قال: وما يمنعني؟ ولقد رأيت رسول صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته)].
هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة والدارمي وأحمد وابن خزيمة.
والحديث ضعيف؛ لأن في سنده عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف.
قال في الشرح: [عبد الكريم بن أبي المخارق -بضم الميم وبالخاء المعجمة- المعلم البصري، نزيل مكة، واسم أبيه: قيس، وقيل: طارق، ضعيف].
وأما حسان بن بلال فهو المزني البصري، روى عن عمار بن ياسر وحكيم بن حزام، وعنه أبو قلابة وأبو بشر وغيرهما، وثقه ابن المديني.
وعلى كل إذا كانت اللحية خفيفة ترى من وراء البشرة فيجب غسلها وإدخال الماء إلى البشرة، أما إذا كانت اللحية تستر البشرة، فإن الواجب غسل ظاهر الشعر، والتخليل مستحب وليس بواجب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن حسان بن بلال عن عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم: مثله.
قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان وعائشة وأم سلمة وأنس وابن أبي أوفى وأبي أيوب.
قال أبو عيسى: وسمعت إسحاق بن منصور يقول: قال أحمد بن حنبل: قال ابن عيينة: لم يسمع عبد الكريم من حسان بن بلال حديث التخليل].
الصحيح أن هذا الحديث منقطع، وهو ضعيف في نفسه أيضاً.
قال المصنف رحمه الله: [وقال محمد بن إسماعيل: أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان.
قال أبو عيسى: وقال بهذا أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم: رأوا تخليل اللحية، وبه يقول الشافعي.
وقال أحمد: إن سها عن تخليل اللحية فهو جائز.
وقال إسحاق: إن تركه ناسياً أو متأولاً أجزأه، وإن تركه عامداً أعاده.
حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا عبد الرزاق عن إسرائيل عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان بن عفان: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته).
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح].
قال في الشرح: [قوله: هذا حديث صحيح، وقال الترمذي في علله الكبير: قال محمد بن إسماعيل -يعني: البخاري - أصح شيء عندي في التخليل حديث عثمان، وهو حديث حسن.
انتهى.
].
أما قول إسحاق، فقال في الشرح: [أي: أعاد الوضوء، فعند إسحاق تخليل اللحية واجب في الوضوء، واستدل من قال بالوجوب ببعض أحاديث التخليل الذي وقع فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (هكذا أمرني ربي).
وأجاب عنه من قال بالاستحباب: بأنه لا يصلح للاستدلال به على الوجوب، لما فيه من المقال، وقال الشوكاني في النيل: والإنصاف أن أحاديث الباب بعد تسليم انتهاضها للاحتجاج وصلاحيتها للاستدلال لا تدل على الوجوب؛ لأنها أفعال، وما ورد في بعض الروايات من قوله صلى الله عليه وسلم: (هكذا أمرني ربي) لا يفيد الوجوب على الأمة؛ لظهوره في الاختصاص به، وهو يتخرج على الخلاف المشهور في الأصول، هل يعم الأمة ما كان ظاهر الاختصاص به أم لا؟ والفرائض لا تثبت إلا بيقين، والحكم على ما لم يفرضه الله بالفرضية كالحكم على ما فرضه بعدمها لا شك في ذلك؛ لأن كل واحد منهما من التقوّل على الله بما لم يقل، ولا شك أن الغرفة الواحدة لا تكفي كث اللحية لغسل وجهه وتخليل لحيته، ودفع ذلك كما قال بعضهم بالوجدان مكابرة منه، نعم الاحتياط والأخذ بالأوثق لا شك في أولويته، لكن بدون مجاراة على الحكم بالوجوب.
انتهى كلام الشوكاني.
وقد استدل من قال: بعدم الوجوب بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه توضأ فغسل وجهه، فأخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا، أضافها إلى يده الأخرى فغسل بها وجهه، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى) الحديث رواه البخاري.
وإلى هذا الاستدلال أشار الشوكاني بقوله: ولا شك أن الغرفة الواحدة لا تكفي لغسل وجهه وتخليل لحيته.
وقد استدل ابن تيمية بحديث ابن عباس رضي الله عنهما هذا: على عدم وجوب إيصال الماء إلى باطن اللحية الكثة، فقال: وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم كان كث اللحية، وأن الغرفة الواحدة وإن عظمت لا تكفي غسل باطن اللحية الكثة مع غسل جميع الوجه، فعلم أنه لا يجب.
انتهى].
فالصواب: أنه لا يجب بل مستحب.
وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بالمد، وجاء أنه توضأ بثلثي المد، والمعلوم أن هذا لا يكفي في تخليل اللحية، وكان عليه الصلاة والسلام كث اللحية.