[شرح حديث: (إنما يكفيك أن تحثين على رأسك ثلاث حثيات)]
قال المصنف رحمه الله: [باب: هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل.
حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن أيوب بن موسى عن سعيد المقبري عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: لا، إنما يكفيك أن تحثين على رأسك ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضين على سائر جسدك الماء فتطهرين، أو قال: فإذا أنت قد تطهرت).
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح].
الأصل (أن تحثي)؛ لأنه مجزوم بحذف النون، وقد يكون بالنون على لغة، لكن الأكثر (أن تحثي).
والحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري.
وفيه دليل على أنه لا يجب على المرأة نقض شعرها من الجنابة، وإنما تروي أصول الشعر ويكفي، وفي رواية: (أفأنقضه لغسل الجنابة والحيضة)، فلغسل الحيض الأفضل أن تنقضه؛ لأن الحيض مدته تطول، أما الجنابة فإنها تتكرر، فلا تحتاج إلى نقض شعر الرأس، ونقضه في غسل الحيض والنفاس مستحب، وإذا لم تنقضه فلا حرج، لكن الأفضل أنها تنقضه في غسل النفاس والحيض؛ لأن مدتهما تطول، أما الجنابة فلا، لما في الحديث: (أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: لا).
ولا يجب للغسل الوضوء، لعموم الحديث السابق، وقد ذكر الله في القرآن الغسل من الجنابة ولم يذكر الوضوء، وكل هذه من أدلة من قال: إنه يدخل الحدث الأصغر في الأكبر إذا نواهما.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والعمل على هذا عند أهل العلم، أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها أن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها].
فيكفي أن تحثو على رأسها الماء ولو كان الشعر كثيراً، إذا وصل الماء إلى أصول الشعر.
وقوله: (أن تحثين) بكسر ثائه وسكون يائه، وأصله (تحثيين) كـ (تضربين) أو تنصرين، فحذف حرف العلة بعد نقل حركته أو حذفها وحذف النون للنصب، كذا في مجمع البحار، قال القارئ: ولا يجوز النصب فيه.
وقولها: (أفأنقضه لغسل الجنابة) معناه: أفرقه حتى يصل الماء إلى باطنه، وفي رواية مسلم: (أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ قال: لا).
والعمل على هذا عند أهل العلم، وهو أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها أن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها، ومذهب الجمهور أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة أو الحيض يكفيها أن تحثو على رأسها ثلاث حثيات، ولا يجب عليها نقض شعرها.
وقال الحسن وطاوس: يجب النقض في غسل الحيض دون الجنابة، وبه قال أحمد، ورجح جماعة من أصحابه أنه للاستحباب في الجماع.
واستدل من قال بوجوب النقض في غسل الحيض دون الجنابة بقوله صلى الله عليه وسلم لـ عائشة: (وانقضي رأسك وامتشطي).
واستدل الجمهور بحديث أم سلمة المذكور في الباب، وبالرواية التي لـ مسلم: (للحيضة والجنابة)، وحملوا الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: (وانقضي رأسك) على الاستحباب جمعاً بين الروايتين، أو يجمع بالتفصيل بين ما لا يصل الماء إلى أصوله بالنقض فيلزم وإلا فلا، وهذا خلاصة ما ذكره الحافظ.
والصواب الذي ذكره عند الجمهور أنه لا يجب النقض، أما القول بوجوب النقض فهو مذهب الحسن، ورواية عن الإمام أحمد، وأما استدلالهم بحديث عائشة: (وانقضي رأسك) فهذا في الاغتسال للحج وليس للجنابة، وعليه العادة الآن، فالصواب ما عليه الجمهور، أنه لا يجب النقض وأنه مستحب في غسل الحيض؛ لأن المدة تطول.