قال النبي صلى الله عليه وسلم:(فكان إذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر، وإذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي)، الله عز وجل قادر على أن يجعل السبل مهيأة أمام الدعاة وأمام طلاب العلم، لكنه سبحانه وتعالى قدر أن تحف الجنة بالمكاره، فهذا الغلام يضرب لأجل أنه يحضر درس العلم، وإن كانوا لا يدرون، فإنهم لو علموا بشأن الراهب لكان هناك تصرف آخر قطعاً، ولو كانت هذه البذرة يعرفون حقيقتها لربما قتل الغلام من أول أمره، ولما كان له وجود هو ولا الراهب، وإنما كان يضرب على التأخير، لماذا تأخر عن درس الفساد والعياذ بالله! ومع ذلك ظل الغلام حريصاً أتم الحرص على أن يحضر، وشكا إلى الراهب ليجد له حلاً؛ لأنه يريد أن يستمر في طلب العلم، وإخواننا الكثير منهم لا يضربهم أحد على حضور دروس العلم، ولا يؤذيهم أحد، وإنما هو مجرد وهم أحياناً، ومع ذلك فما أكثر من يتخلف، وما أقل من يواظب، وهذا الغلام لم يعلم الحق في جلسة واحدة، فإن سياق الحديث يدل على ذلك؛ لأنه كان كلما أتى الساحر ضربه، وأهله أيضاً يضربونه ذهاباً أو إياباً، فهو كان يتعلم الحق مسألة مسألة، حتى يستقر المنهج، فالدين الحق في القلب هو بذرة لابد من سقيها ورعايتها، حتى تنمو وتكبر فتصبح شجرة في القلب.
لذلك نقول: فلنتعلم من هذا الغلام الصغير، أحد أولياء الله عز وجل، الذي ضحى بنفسه مع كونه يجد الألم لكي يطلب العلم، فلماذا لا نكون صادقين في الطلب مثلما كان هذا الغلام؟ لماذا يعرض الكثير عن الدرس رغم أنه لا يضربهم أحد ولا يؤذيهم؟ وإنما هو الانشغال بالدنيا، ولنعلم أن الإعراض عن طلب العلم يؤدي إلى إعراض الله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الثلاثة الذين دخلوا المسجد، فوجد أحدهم الفرجة في الحلقة فجلس فيها، ولم يجد الثاني فرجة فجلس خلفهم، وانطلق الثالث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أما الأول فأوى إلى الله فآواه الله عز وجل، وأما الثاني: فاستحيا من الله فاستحيا الله منه، وأما الثالث: فأعرض فأعرض الله عنه)، نعوذ بالله من أن نعرض عن طاعة الله!