لقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله، قال عز وجل:((وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ)) أي: هذا هو الحق من ربكم، إذا تأملت هذا الترتيب وجدت الدعوة إلى الله لا تقوم إلا بذلك، لابد من تلاوة الكتاب، ولابد من اللجوء إلى الله عز وجل، ولابد من طائفة صالحة مخلصة تصحبها على طاعة الله، فالذي ينبغي ألا تتطلع نفسك إلى صحبة أهل الدنيا والشرف، ولابد من الحذر من طاعة الغافلين فضلاً أن تكون أنت غافلاً، ولابد أن تترك اتباع الهوى، بل تحاربه وتنهى النفس عنه، ولابد ألا تفرط في طاعة الله.
هذه أسس البناء، عند ذلك سوف تقوم الدعوة على أساس متين، وسوف تكون الدعوة إلى الله مثمرة الثمار المباركة، وعندما يوجد من يدعو إلى الله بدون هذه الأسس سوف تكون دعوة ممحوقة البركة لا ثمرة لها، أو ثمارها مُرة، ثمارها شخصيات ونتاج لا يسمن ولا يغني من جوع، نتاج من الناس لا يغير الواقع، ولا يُمكَّن لدين الله عز وجل من خلاله، نسأل الله العافية.
لذلك لابد إذا أردنا أن نكون دعاة أن نقول الحق، ويصل هذا الحق إلى من أراد الله هدايته فينبت النبات الطيب، لابد أن توجد الأسس التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في قصة هؤلاء الدعاة، وفي خاتمة هذه التوجيهات الإيمانية القرآنية؛ لأنها قصة عظيمة من قصص الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، قصة هؤلاء الدعاة من أهل الكهف قال تعالى:((وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)) ليس هذا على سبيل التخيير، وإنما هو على سبيل التهديد والوعيد، كما تقول: اعمل ما شئت، وسوف ترى ما يحدث لك؛ لأن الله عقبه بقوله:((إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا)).
ولكننا نلتمس في ضوء هذه الآية أن الدعوة إلى الله في مراحلها الأولى؛ لأن السورة كما ذكرنا مكية، لا تقوم أبداً على القوة، وهذا من حكمة الله عز وجل أن الله يسر أن يبدأ الدعاة إلى الله من ضعف، ثم ينمو وجود الدعوة إلى الله حتى تقوى، وعند ذلك يشرع الله الجهاد.
وكثير من الناس يغفل عن هذا الترتيب؛ لأن الناس إذا دخلوا في الدين بالجهاد دخل فيه من يحسن ومن لا يحسن، من يريد الدين ومن لا يريده، هناك الكثيرون يدخلون في الدين إذا تمكن؛ لأنه أمر قد ترجح، كما قال عبد الله بن أبي بن سلول لما انتصر المسلمون في بدر: هذا أمر قد توجه، يعني: صار له وجه، ويبدو أنه سوف يتصدر، فدخل في الإسلام ودخل المنافقون، فكانوا أعظم خطر على المجتمع المسلم.
والذين دخلوا في دين الله أفواجاً، من السهولة أن يخرجوا منه أفواجاً، أما الذين دخلوا فيه واحداً واحداً، ونبت الإيمان في قلوبهم كشجرة تنبت في الصخر، فلا يمكن أن تنزعها الرياح من جذورها؛ لأن الإيمان قد ثبت في قلوبهم.
من الذي ثبت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، ثبت الله الأمة كلها بـ أبي بكر، ثم ثبتها بمن تابعه من الصحابة؛ لأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كان قد امتلأ قلبه إيماناً فما تزعزع، ولولا فضل الله بهؤلاء لما كان للإسلام ذكر في وقتنا، فسبحان الله! فهؤلاء هم الذين استجابوا لدعوة الحق عندما كان ليس لها قوة تحميها، ومع هذا من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ومن يكفر عندهم من الدنيا ما يجعله في المنازل العالية، هناك أضعاف أضعاف الجوائز عندهم، ولكن الذي يدفع المؤمن للإيمان هو نظره للآخرة؛ لأن الظالمين أعد الله لهم ((نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا))، ولأن المؤمن إنما يستجيب لله، لا لشيء من الدنيا.
وهذا والله من أعظم الأمور أهمية في نوعية هذا الإيمان الذي يثبت في القلوب، ويظل مستقراً فيها عند الشدائد، نسأل الله عزو جل أن يجعلنا من المؤمنين حقاً.