[ثمرة الخلاف في عدد أصحاب الكهف]
قال ابن كثير رحمه الله: وقال محمد بن إسحاق بن يسار عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد قال: لقد حدثت أنه كان على بعضهم من حداثة سنه وضح الورق -الأوضاح هذه مثل الفضة، يعني: كانوا صغاراً في السن- قال ابن عباس: فكانوا كذلك ليلهم ونهارهم في عبادة الله يبكون ويستغيثون بالله، وكانوا ثمانية نفر: مكسلمينا، وكان أكبرهم وهو الذي كلم الملك عنهم ويمليخا ومرطونس وكسطونس وبيرونس ودنيموس ويطبونس وقالوش، هكذا وقع في هذه الرواية، ويحتمل أن هذا من كلام ابن إسحاق ومن بينه وبينه؛ لأنه لا يصح أن يكون ابن عباس يقول: هم ثمانية، فإن الصحيح عنه بالأسانيد الصحيحة أنهم كانوا سبعة كما أن القرآن لم يحك القول بأنهم ثمانية، فدل ذلك على أنه غير مذكور ولا يعتد به ابتداء.
فإن الصحيح عن ابن عباس: أنهم كانوا سبعة وهو ظاهر الآية.
وفي تسميتهم بهذه الأسماء، واسم كلبهم حمران نظر في صحته والله أعلم، فإن غالب ذلك متلقى من أهل الكتاب، فقد قال تعالى: ((فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا)) سهلاً بيناً، فإن الأمر في معرفة ذلك لا يترتب عليه كبير فائدة.
ولذلك لا ينبغي أن يناقش الإنسان في مسائل إلا بعد أن يعلم ثمرة الخلاف فيها، وإذا كان على غير ذلك فلتكن المجادلة بطريقة سهلة ميسرة، ولا ينشغل بالتدقيق والتحقيق في مسائل لا تفيد.
ولو أن أهل الفقه المتأخرين التزموا هذه القواعد لما حصل ذلك التقليد الأعمى والانحراف الشديد الذي وقع في كتب الفقه المتأخرة عما كان عليه الفقه في السنين والقرون الأولى بعد أيام الصحابة رضي الله عنهم والتابعين والتابعين لهم بإحسان، فلقد كان الفقه ميسراً سهلاً، وإنما جعله صعباً عويصاً هذه التفريعات الكثيرة التي كثير منها لا ثمرة لها ولا فائدة منها عملياً؛ فيترتب على ذلك تضييع الوقت والعمر، فقال عز وجل: ((فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا)) أي: سهلاً ليناً هيناً كما قال ابن كثير.
قال ابن كثير: ((وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا)) أي: فإنهم لا علم لهم بذلك إلا ما يقولونه من تلقاء أنفسهم ((رَجْمًا بِالْغَيْبِ)) أي: من غير استناد إلى كلام معصوم، وقد جاءك الله يا محمد بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية فيه، فهو المقدم الحاكم على كل ما تقدمه من الكتب والأقوال.
إن الجدال والمراء لا ينبغي إلا أن يكون بالتي هي أحسن، فإن الله عز وجل قال: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت:٤٦] وذلك لإظهار الحق وإبطال الباطل، ودون قبول الدخول في تفاصيل لا فائدة منها ولا ثمرة من ورائها.
وأما حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقاً) وهو حديث حسن أو صحيح، فهو لمن علم أن مراءه لا يفيد، وأن جداله وصل إلى طريق مسدود، وأن البحث عن الحق قد انتهى بسبب الخصومة، وأصبح الناس يتعصبون لأقوالهم؛ فعند ذلك لو كان محقاً يترك المراء.
وأما إذا كان الطرف الآخر والمناظر أو الباحث يبحث عن الحق وما زال يتحرى الصواب، فينبغي أن يستمر معه في المراء، وليكن بالطريقة السهلة البينة الواضحة الهينة.