يقول ابن كثير رحمه الله: هذا إرشاد من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم إلى الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل أن يرد ذلك إلى مشيئة الله عز وجل علام الغيوب الذي يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، وفي رواية: تسعين امرأة، وفي رواية: مائة امرأة) وهذا هو الأرجح، لأن مفهوم العدد إذا خالفه منطوق فيقدم المنطوق الأكثر فهو يشمل الأقل، وربما قال: سبعين ثم عزم على التسعين، ثم عزم في النهاية على مائة، قال:(وفي رواية مائة امرأة- تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل.
فقيل له، وفي وراية قال له الملك: قل: إن شاء الله.
فلم يقل، فطاف بهن فلم يلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان) وضعت جنيناً مشوهاً، (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده! لو قال: إن شاء الله، لم يحنث وكان دركاً لحاجته، وفي رواية: ولقاتلوا في سبيل الله فرساناً أجمعين).
وهذا يدلنا على أهمية الاستثناء، وأن يقول الإنسان: إن شاء الله، سواء أقسم أو أخبر أنه سوف يفعل، وسليمان عليه السلام لم يقل فيها: إن شاء الله، إما أنه اجتهد فأخطأ أو نسي صلى الله عليه وسلم، اجتهد أن هذه نية طاعة فلا ينبغي أن تقيد بالمشيئة وليس الأمر كذلك بل ينبغي أن تقيد بالمشيئة، أو أن الملك قال له ذلك فانشغل بما كان عزم عليه من الهمة العالية ابتغاء وجود المجاهدين في سبيل الله، فنسي أن يقول: إن شاء الله، وقدر الله عز وجل عليه أن لا تلد منهن امرأة واحدة، وذلك لأنه لم يقل: إن شاء الله؛ تعليماً للأمة في زمنه وبعد زمنه فائدة رد الأمور إلى مشيئة الله سبحانه وتعالى.
وهذا الحديث أحسن ما يفسر به قوله تعالى:{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ}[ص:٣٤]، فالجسد الذي ألقي على كرسيه هو شق ذاك الغلام الذي وضعته إحدى نسائه، ولم تضع غيرها، وكان في ذلك فتنة وامتحاناً له ليعلم من أين أتي في هذا المقام؟ حيث نسي أن يقول: إن شاء الله، أو انشغل عن ذلك، ثم أناب ورجع إلى الله سبحانه وتعالى وصار بعد ذلك يستثني ولا يترك ذلك، والله أعلى وأعلم.