للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حرص الغلام على انتشار الدعوة]

قال: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد، ثم تصلبني على جذع، ثم خذ سهماً من كنانتي، وضع السهم في كبد القوس، ثم قل باسم الله رب الغلام وارم، فإنك إن فعلت ذلك قتلتني، فالغلام يدله على قتل نفسه؛ لكي يؤمن الناس، فهو يضحي بنفسه في سبيل الله عز وجل؛ لكي يؤمن الناس، مع أن قتل النفس محرم، لكن دل على قتل نفسه لأجل المصلحة العظيمة في إيمان الخلق وإيمان أهل البلد جميعاً، فهو رجا أن يؤمنوا إذا رأوا هذه الآية، ولذلك طلب منه تجميع الناس في صعيد واحد، وليست هذه رغبة للشهرة، ولكن رغبة في وصول الحق إلى الجميع.

وأمر الملك بصلبه على جذع؛ لكي يجلب عطف الناس عليه في ذلك؛ لأنه مظلوم، فهذا الغلام الذي يبرئ الأكمه والأبرص، وهذا الغلام الذي قتل الدابة، وهذا الغلام الذي يحب لنا الخير، وهذا الذي يدعو الله لنا، لماذا هو مصلوب على جذع؟ ليس له تهمة إلا أن يؤمن بالله العزيز الحميد، فسوف يتناقل الناس ذلك، فإذا لم يكن للمسلم والداعي إلى الله، والعبد الصالح من تهمة إلا أنه قال كلمة الحق، وكان يحب الخير للناس، كان ذلك من أعظم أسباب قبول الخير، وكان ذلك من أعظم أسباب الإيمان، وليحرص المسلم على ألا تكون له تهمة غير أنه يؤمن بالله ويدعو إلى الله عز وجل.

قال: ثم تصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي أمام الناس جميعاً، لا يأخذ سهماً من عنده، بل يأخذ سهماً من جعبة سهام الغلام، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله رب الغلام، وذلك من أجل الذي لم ينظر الملك وهو يأخذ من جعبة السهام يسمعه وهو يقول ذلك.

قال: فجمع الناس في صعيد واحد، ثم صلبه على جذع، ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله رب الغلام، وهذا غباء منقطع النظير، لكن العناد والحقد والحسد أدى به إلى ذلك، فهو يقتله بأي طريقة، قال: ثم رماه فوقع السهم في صدغه، وصدغه أي: جانب رأسه، ووضع يده على صدغه فمات، فقال: الناس آمنا بالله رب الغلام، وآمن الناس لما رأوا هذه الآيات العظيمة، وعجز الملك الذي يقول: لا رب لكم غيري عن قتل هذا الغلام الضعيف الصغير بكل جنوده وأتباعه، وكل مكره وكيده، فآمن الناس بالله عز وجل، وقولهم: رب الغلام، تشريف للغلام، كما قال سحرة فرعون: {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف:١٢٢]، فتشريف الغلام أضيف إليه اسم ربه سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>