قال تعالى:{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}[الكهف:٩ - ١٠]، يخبر تعالى عن أولئك الفتية الذين فروا بدينهم من قومهم لئلا يفتنوهم عنه، فهربوا عنه فلجئوا إلى غار في جبل ليختفوا عن قومهم، فقالوا حين دخلوا سائلين من الله تعالى رحمته ولطفه بهم:{رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً}[الكهف:١٠]، أي: هب لنا من عندك رحمة ترحمنا بها وتسترنا عن قومنا {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}[الكهف:١٠] أي: اجعل عاقبتنا رشداً، كما جاء في الحديث:(وما قضيت لنا من قضاء فاجعل عاقبته رشداً)، وفي المسند من حديث بسر بن أرطأة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو:(اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة) قال تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا}[الكهف:١١]، أي: ألقينا عليهم النوم حين دخلوا إلى الكهف، فناموا سنين كثيرة، ((ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ)) أي: من رقدتهم تلك وخرج أحدهم بدراهم معه ليشتري لهم بها طعاماً يأكلونه كما سيأتي بيانه وتفصيله، ولهذا قال:((ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ)) أي: المختلفين فيهم ((أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا))، قيل: عدداً، وقيل: غاية، فإن الأمد الغاية كقوله: سبق الجواد إذا استولى على الأمد أي: إذا استولى على الغاية، ثم إن الذين اختلفوا فيهم إنما اختلفوا في مدة لبثهم فذلك يدل على أنهم تناظروا فيهم بغير علم، وأن الأمر كان يجب تفويضه إلى الله سبحانه وتعالى حتى بين الله عز وجل كم لبثوا في كهفهم، وفي هذه الآيات من سورة الكهف أنهم لبثوا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً.
فهذه مقدمة لهذه القصة حتى نرى أن قصة أصحاب الكهف والرقيم آية من آيات الله سبحانه وتعالى، وهي آية من آيات الله المسموعة التي تدلنا على مآل ونهاية هذا الصراع الذي يجري دائماً بين الحق والباطل على ظهر هذه الأرض، ولم يزل هذا الصراع قائماً، ولا بد أن يستوعب أهل الإيمان ذلك، فلا يظنوا أن سوف يأتي عليهم زمن يستريحون فيه من مغالبة الباطل وأهله، أو أنهم يتوقفون عن العمل على إظهار الدين والدعوة إليه، ومحاربة الشرك وأهله، وذلك أنها سنة الله سبحانه وتعالى الماضية، وأن الله خلق البشر لذلك، فخلق الجن والإنس ليوجد منهم الكفار الذين يحاربهم ويصارعهم ويقاومهم أهل الإيمان؛ لتظهر أنواع من العبودية يحبها الله سبحانه وتعالى، فهي من آيات الله سبحانه وتعالى فيها القدوة الحسنة، والأسوة الطيبة لعباد الله المؤمنين في صبرهم على دينهم، والقصة من القصص التي تبين بداية التسلط دائماً من الكفرة والظلمة والمجرمين، وكأن هذا عند التأمل هو الوضع أو الحال الأصلي الذي تستمر عليه قصص القرآن، وفي هذا البشارة لعباد الله المؤمنين بما يئول إليه أمرهم، وبما يحفظهم الله سبحانه وتعالى بآياته العجيبة التي إذا تأملها المتأمل علم عظيم سلطان الله سبحانه وتعالى وقدرته.
ولو تأمل المتأمل فيما يراه كل يوم من آيات الله في السموات والأرض لأيقن بعظمة الله وملكه للملك، وأنه يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، وأنه يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، ويرزق من يشاء بغير حساب، وهذا لوحده دليل على أن ما يفعله في هذا الصراع الذي يجري في كل زمان بين المؤمنين والكافرين نهايته معلومة بإذن الله تبارك وتعالى.