قال الناس: آمنا بالله رب الغلام، فؤتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك، وانظر إلى العجب فبعد أن يرى الناس هذه الآية، لا يزال هناك من ينصح الملك هذه النصيحة المجرمة الفاسدة، وما زال هناك من لا يريد أن يؤمن ويهتدي، بل يريد أن يمنع الحق أن يصل إلى قلوب الخلق والعياذ بالله من هذه النوعية من البشر، لو رأت الآيات تلو الآيات ما استجابت، ومثلهم الذين استجابوا لفرعون في تقتيل السحرة، فقد رأوا الآيات بأعينهم ثم وجد فرعون من يقتل السحرة آخر النهار، ووجد من يقول له: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) [الأعراف:١٢٧]، فهذه نوعية مهما رأت من آية، ومهما أتت من حجة لا يمكن أن تقبل، ولا يمكن إلا أن تظل في عبودية هؤلاء الطواغيت، والعداوة الأكيدة لدين الله عز وجل.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:(فأمر بالأخدود فخدت) أي: فأمر بالحفر فحفرت في أفواه السكك، ثم أضرم فيها النيران، وقيل: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها، أو قيل له: اقتحم، ففعل الناس وماتوا جميعاً، وفي بعض الأحاديث أنهم قبل أن تصل أجسامهم إلى النار قبضت أرواحهم، فألقيت أجساداً لا أرواح فيها، وهذا يشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يجد الشهيد من ألم الموت إلا كمس القرصة)، فهم أرادوا أن يعذبوا المؤمنين، وما وجد المؤمنون عذاباً، ففعل الناس فوقعوا فيها، حتى أتت امرأة معها صبي لها، وهذا يبين أنه كان يقتل الرجال والأطفال والنساء والعياذ بالله، فهو ظلم بين، ولكن قدر الله عز وجل هذه النهاية لهذه الطائفة أن تؤمن وتنجو عند الله، وإن لم تمكن، وكان في قدرة الله أن يمكن لها، ولكن قدر الله عز وجل أن يموت الداعي وأن يموت المدعو، وأن يقتل الجميع، وأن يمكن الكفرة من ذلك إلى أن يأتي ما أراد عز وجل من قتل أصحاب الأخدود، ومن تدميرهم وإحراقهم.
فليست العبرة بالنتيجة في هذه الأرض، وإنما العبرة بالنهاية عند الله سبحانه وتعالى.
قال: حتى أتت امرأة معها صبي لها، فتقاعست -أي: ترددت- أن تقع فيها، وقالت: أستجيب لدعوة الباطل وأترك الدين، ولا أقع فيها، فقال لها الصبي: يا أمه! اصبري فإنك على الحق.
وهذا هو الغرض الأعظم المقصود في فترات المحن، فالواجب الأكيد أن يصبر الإنسان، وأن يثبت إلى أن يفعل الله ما يشاء، وإلى أن يموت والله عز وجل راض عنه ولا يعبأ بعد ذلك بالنتائج، فالنتائج قطعاً لصالح دين الإسلام، ولن يضر الكفرة دين الله عز وجل شيئاً، بل لن يضروا الله شيئاً، وسوف ينتصر الإسلام حتماً وقطعاً ويقيناً.
فيجب أن نظل على هذا الحق الذي علمناه كاملاً بغير تجزئة ولا تبعيض، بغير أن نقبل ما يريدون، ونترك ما لا يريدون، بل نصبر على الحق، ونصبر على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الأمر كذلك كان الفوز الكبير بإذن الله تبارك وتعالى.