قوله:((وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا)) وإن كان ترهيباً في صورته فهو خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام وللمكلفين، فلا تعمل للناس حساباً فتترك تلاوة ما أمرك الله عز وجل به من الكتاب، أو أن تتبعهم في التبديل؛ لأنك إن خالفت شرع الله، فلن يكونوا نصراء لك، ولن تجد ملجأ ولا نصيراً.
وإن كان الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام فالمقصود غيره بلا شك، والرسول صلى الله عليه وسلم يتبع كتاب الله ويتعلمه ويعلمه الناس ولا يستبدل الحق بالباطل، ولا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ولا يبدل شرع الله وكلامه وآياته أبداً.
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله في تفسير قوله تبارك وتعالى:((وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)): قرأ هذا الحرف عامة السبعة ما عدا ابن عامر (ولا يشرك) والمعنى: ولا يشرك الله جل وعلا أحداً في حكمه، بل الحكم له وحده جل وعلا، لا حكم لغيره البتة، فالحلال ما أحله الله تعالى والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، والقضاء ما قضاه.
وقرأ ابن عامر من السبعة:(ولا تُشْركْ في حكمه أحداً) بصيغة النهي، أي: لا تشرك يا نبي الله، أو لا تشرك أيها المخاطب أحداً في حكم الله جل وعلا، بل اخلص الحكم لله وحكمه جل وعلا المذكور في قوله تعالى:((وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)) شامل للحكم الشرعي والكوني.
أما على القراءة الثانية:((وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)) فهذه لا تحتمل إلا الحكم الشرعي، وذلك أن العبد له تعلق بالحكم الشرعي، وإنما يتحاكم الناس في خصوماتهم إلى شرع الله أو إلى غيره، فالتحاكم إلى شرع الله توحيد، وإلى غيره شرك بنص الآية.
لذلك اتفقت كلمة العلماء سلفاً وخلفاً على أن الحاكم هو الله وحده، مصداقاً لقوله الله تعالى:((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ))، وللآية السابقة، ولذلك لا نجد نزاعاً بين أهل العلم في أن الحاكم هو الله عز وجل، وإذا ذكروا حكم الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم الحاكم والقاضي، فعلى سبيل التبعية، فحكم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بنص القرآن من عند الله عز وجل، قال تعالى:((قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي)).