[شبهة القائلين بجواز الصلاة في المساجد التي فيها قبور والرد عليها]
قال عز وجل:((إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ)) أي: يتنازع الذين عثروا على أهل الكهف فيما يصنعون بهم، ((فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا))، وهذا من المواضع التي تحتاج إلى بيان، فهل هذا الأمر الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في سياق المدح أو الإقرار لمن قالوا:((ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا)) ولمن قال: ((لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا)) أم أن هذا في الحقيقة كان ذماً؟ قد يحتج به الكثيرون من المنتسبين للعلم الذين يجوزون الصلاة في المساجد التي بها قبور، ويقولون: إن هذه القصة تدل على أن اتخاذ المساجد على القبور أمر جائز، ولو لم يكن كذلك لما ذكره الله عز وجل في القرآن، وزعموا أن ما ورد في السنة بخصوص القبور التي على المساجد فهي لليهود والنصارى فقط، وهذا من الكلام الباطل الذي يتضمن عدة أباطيل منها: أولاً: أن ذكر هذا الأمر في القرآن لا يدل على جوازه؛ لأن الله لم يذكره مادحاً لهذا الفعل ولا مثنياً عليهم به، بل ولا مقراً لهم، بل لم يذكرهم الله سبحانه وتعالى في هذا الموطن بصفة إيمان أو إسلام أو عمل صالح، وإنما ذكرهم بصفة الغلبة فقال:((قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ)).
ومعلوم أن من سبقنا من أهل الكتاب يكثر فيهم الجهل لدرجة أنهم كانوا يشكون في البعث، كما بين سبحانه وتعالى في أول السورة أنهم كانوا متنازعين في أمر بعث الأجساد، وأن الله سبحانه وتعالى جعل هؤلاء آية ليوقن الذين شكوا في البعث بأمر البعث، كما قال سبحانه وتعالى:{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا}[الكهف:١١ - ١٢] أي: الحزبين المختلفين في أمر البعث، وكذلك قال سبحانه وتعالى:((وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ)) أي: حين، ((يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ))، فدل ذلك على انتشار الجهل فيهم، إذ إن الشك في البعث -وهو من أعظم ما بعث به الرسل- يدل على انتشار الجهل فيهم، وإذا كان الذين غلبوا على أمرهم قد صنعوا ما بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من فعله منهم فهو ملعون، فعلى أي الأحوال حتى لو زعم ذلك الزاعم أن هذا النهي واللعن كان لهم فهو يناقض استدلاله بالآية؛ لأنهم على الأقل قد لعنوا على ذلك، فإذا كان كذلك لم يجز أن يقال: إن الله قد ذكره في القرآن على سبيل الإقرار والمدح؛ لأن الكل متفق على أن اليهود والنصارى مذمومون على اتخاذ القبور مساجد، فإذا كان الأمر كذلك لم يكن في ذكر الآيات حجة، ولابد أن نفهم القرآن في ضوء السنة، ولا يجوز لنا أن نأخذ فهماً لآية من الآيات دون رجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام النهي عن اتخاذ القبور مساجد بالتواتر، فقال:(لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قالت عائشة: يحذر ما صنعوا).
وهذا واضح جداً أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذمهم ليحذرنا.