للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قصة قتل الملك لجليسه]

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ثم جيء بجليس الملك، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه).

سبحان الله! ما أعظم الإيمان إذا خالط بشاشته القلوب، فهذا جليس الملك الرجل المترف المنعم من الطبقة الحاكمة، من طبقة الحاشية المقربة، ومعلوم كيف تعيش حياة اللهو واللعب، فكيف صبر جليس الملك هذا الصبر العظيم حفاظاً على دينه؟! فقد عاش الراهب عمره كله على هذا الدين، وليس بغريب أن يضحي بحياته في سبيل الدين، لكن هذا الرجل قضى أكثر عمره في الكفر، ولم يدخل الإيمان في قلبه إلا قبل قليل، ومع ذلك فقد صبر مثل صبر الراهب، ولا عجب، وانظر إلى سحرة فرعون حتى دخل الإيمان في قلوبهم منذ لحظات فآمنوا برب هارون وموسى، وكانوا قبل لحظات غاية رغبتهم: {أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} [الشعراء:٤١]، وغاية ما يرغبون فيه: {نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الشعراء:٤٢]، فسجدوا لله عز وجل حين رأوا الآية وقالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف:١٢١ - ١٢٢]، فإذا بـ فرعون يتهدد ويتوعد بالصلب وتقطيع الأيدي والأرجل، وبالقتل أبشع أنواع القتل والتعذيب {قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} [الشعراء:٥٠]، {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه:٧٢].

فكانوا في أول النهار سحرة كما قال ابن عباس وفي آخر النهار شهداء بررة.

فهكذا ذهب الراهب وجليس الملك شهيدين في سبيل الله صبراً على التمسك بالدين، فأعطاهما الله الحياة الأبدية عنده سبحانه وتعالى، فسحرة فرعون وهذان الرجلان ضحوا بحياتهم فأعطوا حياة أكمل وأتم، قال الله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٦٩ - ١٧١].

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش).

<<  <  ج: ص:  >  >>