للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سجود سحرة فرعون لله رب العالمين]

فحين سجد واحد منهم سجد الجميع و {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف:١٢١ - ١٢٢]، فالناس واقفون في هذا الموقف العظيم ويرون الجنود الذين جمعهم فرعون من كل أرجاء المملكة يؤمنون بموسى، ويصرحون تصريحاً لا يحتمل الخفاء: ليس رب العالمين فرعون بل رب العالمين هو رب موسى وهارون، وشرف عظيم لموسى وهارون أن يذكر اسم الرب مضافاً إلى أسمائهما، ولم يستطع فرعون حينها أن يكذب ويقول: آمنوا بي، فأنا ربكم الأعلى.

فذهل فرعون، وإذا به يلقي بالأئمة على السحرة ويتهمهم بالمؤامرة عليه، وأن موسى زعيمهم، قال الله حكاية عنه: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف:١٢٣]، فهو يعلم يقيناً كذب دعواه، واشتراط الإذن في الإيمان طريقة فرعونية قديمة فلا بد أن يأذن لهم لكي يؤمنوا ويعملوا الصالحات، ويدعوا إلى الله سبحانه وتعالى، فإذا كان إيمانهم بغير إذن فالمصيبة عظيمة.

((قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) قوله: (آمنتم به) متضمنة معنى التصديق، أي: صدقتم به، وقال في آية أخرى: (آمنتم له) وهي تتضمن معنى الانقياد والخضوع فهذا يفيد معنى ذاك؛ لأن الإيمان تصديق وانقياد، وليس فقط تصديقاً مجرداً.

قال تعالى: ((إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ))، قال هذا مع أنه هو الذي جمعهم من كل أرجاء المملكة، فأين اجتمع بهم موسى حتى يمكر هو وهم؟ وقوله: (لتخرجوا منها أهلها) ما أرادوا إخراج أهل مصر، وإنما أرادوا منهم أن يؤمنوا، وأن يخرج بنو إسرائيل، فمن أين هذه التهم الباطلة؟ لكن من العجيب في شأن فرعون أنه يتهم تهماً وهو يعلم بأنها باطلة وهو وليها، يقول: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} [طه:٧١]، أين علمهم السحر؟ فهو منذ عشر سنين لم يدخل مصر وقد كان له قبل ذلك شيعة لا يعلمهم شيئاً من السحر، ولا يعرف طريق السحر، وفرعون هو الذي يكرههم إكراهاً على السحر، وقد وجد أعواناً ينفذون له حكمه الجائر على قتل السحرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>