قال: يخبر تعالى عن أولئك الفتية الذين فروا بدينهم من قومهم؛ لئلا يفتنوهم عنه، فهربوا منهم، فلجئوا إلى غار في جبل؛ ليختفوا عن قومهم، فقالوا حين دخلوا سائلين من الله تعالى رحمته ولطفه بهم:((رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً)) أي: هب لنا من عندك رحمة ترحمنا بها، وتسترنا عن قومنا، ((وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)) أي: قدر لنا من أمرنا هذا رشداً، أي: اجعل عاقبتنا رشداً، كما جاء في الحديث:(وما قضيت لنا من قضاء فاجعل عاقبته رشداً)، وفي المسند من حديث بسر بن أرطأة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو:(اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة).
وقوله:{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا}[الكهف:١١] أي: ألقينا عليهم نوماً حين دخلوا إلى الكهف فناموا سنين كثيرة، ((ثم بعثناهم)) أي: من رقدتهم تلك، وخرج أحدهم بدراهم معه ليشتري لهم بها طعاماً يأكلونه كما سيأتي بيانه وتفصيله، ولهذا قال:((ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ)) أي: المختلفين فيهم، ((أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا)) قيل: عدداً، وقيل: غاية، فإن الأمد الغاية -وهذا أقرب- كقوله: سبق الجواد إذا استوى على الأمد.
يعني: إذا وصل إلى الغاية، وذلك أن الذين اختلفوا فيهم اختلفوا كم لبثوا، وهو يدل على أنهم تناظروا فيهم بغير علم، وأن الأمر كان يجب تفويضه إلى الله سبحانه وتعالى حتى يبين الله عز وجل كم لبثوا في كهفهم بهذه الآيات من سورة الكهف:{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا}[الكهف:٢٥].