والناس هنا ثلاثة أقسام: طرفان ووسط، فطرف في سبيل الهروب من المحنة فإنه يوالي أهل الباطل، ويوافقهم، ويتابعهم، ويترك ما أوجب الله عليه من مفارقتهم، ومعاداتهم، والقيام بالحق في وجوهم، أو يفعل ما حرم الله عليه من المعاصي طاعة لهم.
وطرف آخر يطلب البلاء بنفسه، ويدفع إليه بعمله، ويظن أنه يربي نفسه ويؤدبها، وقد وقع وهو لا يشعر في شراك العجب والغرور، وغاب عنه أن خليل الله عليه الصلاة والسلام قال عن سارة: إنها أخته؛ لكي لا يتعرض للبلاء، وهو نوع من التعريض، وأن نبي الله موسى أخبر الله عنه فقال:{خَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[القصص:٢١].
وتحضرنا قصة ذلك الذي كان يقول في دعائه عازماً على الرضا: كيفما شئت فابتلني! فكان يظن أنه على أي حال فلن يضره، وسوف يكون راضياً على كل حال، فسأل الله أن يبتليه كما شاء، وهذا مخالف للشرع؛ فابتلي بالبواسير، فكان يمر على الصبيان في المكاتب ويقول: ادعوا لشيخكم الكذاب! فيطلب منهم الدعاء له بالشفاء؛ لأنه أصبح في منتهى التعب والبلاء، وعندما نزل به البلاء ما استطاع تحمله والصبر عليه، فكان يطلب منهم أن يدعوا له بالشفاء، وكان يسمي نفسه الكذاب، نسأل الله عز وجل أن يبعدنا عن العجب والغرور.
وأما الوسط فهم أهل الحق والاتباع، فعلموا بوقوع البلاء قدراً، والتزموا بعدم طلبه وتمنيه شرعاً، وصبروا أعظم الصبر عند نزوله، كما فعل هذا الراهب الصالح، كما سيأتي بيانه إن شاء الله.