[خلاصة كلام الشنقيطي رحمه الله تعالى في الحكم بغير ما أنزل الله]
بعد هذا الكلام الواضح لا يمكن لأحد أن يزعم أن الشيخ الشنقيطي رحمه الله يقول: إن الحكم بغير ما أنزل الله وتحكيم القوانين الوضعية كفر أصغر، ومن الباطل أن يقال: إن الشيخ إنما يقصد ذلك إذا استحله.
فكلام الشيخ واضح أن تحكيم هذا النوع هو في الحقيقة أعظم من الاستحلال، فهو كفر بخالق السموات والأرض.
وذلك كما ذكرنا أن هذا التحكيم أشد من الاستحلال، فالتحكيم فيه إلزام الناس بشيء، ومنعهم من غيره، كإرغامهم بخلاف الشريعة، وتحريمهم الالتزام بها، وذلك لا يحتاج معه إلى أن يقول: وأنا أستحل ذلك.
فإذا قال: أنا أوجب على الناس وأشرع لهم وألزمهم بأن يسود فيهم القانون، سواء ما كان موافقاً للشرع أو ما كان مخالفاً، إلى أن يتم تغييره، فإن هذا الإلزام والإيجاب أعظم من الاستحلال.
ولو أن إنساناً قال: يجب مخالفة الشرع، والآخر قال: يباح أن نُحكِّم خلاف الشرع، فالعجب أن يقال: إنه لا بد أن يستحل ذلك، فإن قوله: يباح أشد من المستحل، فلا يمكن أن يقال: لا بد أن يقول: يباح ذلك أو يجب.
فهذا الأمر يتصور في الوقائع المعينة، أما في التشريع العام فلا يتصور ذلك، ولا بد أن ينسب ذلك إلى الشريعة.
فإذا أراد أن يمنع زوج أخته من أن يتزوج عليها زوجة ثانية، ويدخله السجن بتهم باطلة، فيقول -مثلاً- إنه ضربها أو آذاها وهو كذاب في الحقيقة، فهو يريد أن يعاقبه على تجرئه على هذه الفعلة مثلاً، فاستعمال سلطته كفر دون كفر.
أما من قال: إن الزواج الثاني حرام، أو هو جريمة يعاقب فاعلها، فلا فرق بينهما، ومن يحاول أن يفرق بين الكلامين فإنه إنسان ضال مغرض، فقوله: الزواج الثاني جريمة يعاقب فاعلها، مثل أن يقول: الزواج الثاني ممنوع في القانون.
أما من كان لها حاكم قريب، أو دفعت له رشوة وقالت له: زوجي يريد أن يتزوج عليًّ، فأتى بزوجها من البيت، وضربه ضرباً وأدخله السجن وظلمه هذا الظلم، فهذا حكم بغير ما أنزل الله فعلاً، وهو كفر دون كفر، ولو تكرر ذلك منه.
أما أن يسن تشريعاً عاماً للناس جميعاً، فهذا لا يمكن أن يصدر إلا ممن يعتقد أن الزواج الثاني ظلم، ولا يمكن أن يصدر إلا ممن يطعن في شرع الله سبحانه وتعالى.
فلو أن إنساناً وجد عدواً له يصلي، فانتهزها فرصة فجاء إليه وضربه وهو يصلي، لأنه لم يجد فرصة غيرها، ومنعه أن يصلي، فهذا ظلم بلا شك، لكن لو جعل ديدنه أن كل من صلى ضرب، وسن تشريعاً في ذلك، فلا يمكن أن يكون إنساناً مسلماً بدرجة من الدرجات.
وكذلك لو قال: كل من قرأ القرآن أو حفظه فإنه يسجن، أو من لبست الحجاب فإنها تطارد بأعظم أنواع المطاردة، ويسن تشريعاً أن من لبست الحجاب في المجامع العامة فإنها تعاقب، وكما تفعله بعض البلدان؛ فهذا كافر، ولا يمكن أن يكون مسلماً بحال من الأحوال وهو يكره الحجاب، إلا إذا تصور أنه ليس من الدين، أما إذا علم ذلك وتليت عليه الآية: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:٣١]، فيقول بعد ذلك: الحجاب ليس من الدين، فهذا كافر بطريقة الجحود والعياذ بالله.
وفي تركيا أغلقوا مدرستين لتهاون القائمين عليهما في مسألة لبس الطالبات الحجاب.
فلو لبس الطالبات الحجاب يصبح عندهم مصيبة سوداء، ولذلك فإنهم فرضوا على كل طالبات الثانوي أن يكون زيهن المدرسي مرفوعاً إلى نصف الساقين وقد يصل إلى أن يكشف الفخذان والعياذ بالله.
فهل هناك مسلم يقول: إن المرأة تفصل ويعاقب وليها إذا لم تكشف فخذها؟ هذا لا يمكن، والذي يتنازل في هذه المسألة ويقول: إنه كفر دون كفر، فهو إنسان مغرض، والعياذ بالله.
أما إذا كان هناك هوى في النفس يدفع بعض القائمين بذلك فإن هذا كفر دون كفر، وهذا يكون في الوقائع المعينة، وفي الشخص المعين نفسه إذا كان جاهلاً.
أما إذا كان الأمر معلوماً عند المسلمين، وأدلته من الكتاب والسنة ظاهرة، ويلزم الناس في التشريع العام بخلافه، فهذا فعلاً كما ذكر أهل العلم مناف لتوحيد الله سبحانه وتعالى ولحكمه.