فالدستور مصدر التشريع عند القوم، وذلك أنهم يرون أن هذا الأمر يرجع للناس، لأن الدستور لا يكون دستوراً إلا بموافقة الناس عليه، وما كان سوى ذلك فلا، ولو أنه جاء في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكون ملزماً للخلق إلا بعد أن يوافق الناس عليه، وهذا والعياذ بالله من أخطر وأفضع مظاهر الشرك، ولا يجوز لمسلم أن يعتقده أبداً بحال من الأحوال، فمبادئ فصل الدين عن الحياة وليس عن الدولة فقط أحدثتها الثورة الفرنسية، ومنها أخذ العلمانيون منذ أكثر من ثلاثة قرون أو أربعة قرون، وكذلك تقديس ما يسمى بالديمقراطية، ذلك الاسم العظيم القدر الذي يتمناه الناس ويتبجحون به، مع أن تفسيرها اللغوي والحقيقي هو التفسير الواقعي، وهو: أن الحكم للناس، فالدول التي تطبق ذلك ليس عندها اعتراض على ما يقرره الناس، ولذلك تجد أن التطبيق الصحيح للديمقراطية هو أنه يمكن لمجموعة من الناس في بلد ما أن يجعلوا قانوناً ملزماً لهم، ويختارونه بدل الشريعة، فالحكم بالشريعة في أمريكا مثلاً ربما يكون أيسر من حكمها في بعض البلدان الإسلامية؛ لأنهم يطبقون ذلك لو أن الناس أرادوا، ومن حقهم في ضوابط معينة أن يختاروا قوانين معينة، وهناك حرية في ذلك.
والغرض المقصود أن قوله تبارك وتعالى:((وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)) أن الحكم الشرعي لم يجعل للنبي عليه الصلاة والسلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس شريكاً في الحكم، وكذلك العلماء والخلفاء والأولياء فلا أحد شريك في حكم الله سبحانه وتعالى.