[معنى قوله تعالى:(النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود)]
قال عز وجل:{النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ}[البروج:٥]، هذه الجملة بدل؛ لأن الأخدود هو الذي كان فيه النار، وهذا يدلك على أن الله عز وجل تركهم يجمعون الوقود لعباد الله المؤمنين، فهو يملي لهم سبحانه وتعالى، ولم يأخذهم من أول وهلة بل أملى لهم عز وجل، فلو رأيت ظالماً يملي الله عز وجل له، فلا تظن أن ذلك بسبب قوة الظالم، وإنما لهوانه على الله عز وجل أملى الله له، فإن نهاية الكفر والظلم محتومة قطعية لا يمكن أن تتغير؛ لأن الله أراد ذلك، قال عز وجل:{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}[الأعراف:١٨٣].
قال تعالى:{إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ}[البروج:٦]، وفي هذا دليل على عظم جرم من وقف أو قعد يشاهد ما يفعله أهل الظلم بأهل الإيمان، فلا يجوز للمسلم أن يقعد متفرجاً على ما يجري، فإن قدر على أن يدفع عغنهم فيجب أن يدفع، وإن لم يقدر فعليه أن ينصرف ويفر بدينه، فما بالك إذا كان ذلك بأمره وإشارته أو رضاه وموافقته؟! وهذا التسلي بمشاهدة التعذيب جريمة أخرى فوق جريمة أذية المسلمين وعذابهم ومحنتهم.
قال تعالى:{وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ}[البروج:٧] أي: كانوا مشاهدين جالسين حول النار فلا هم رحموا عباد الله، ولا آمنوا بالله عز وجل، وهذه النوعية من البشر ليست ببعيدة عنا، بل نراها اليوم في هؤلاء اليهود المجرمين المعتدين، وغيرهم من المشركين الذين ينتهكون حرمات المسلمين، فلا تجد عندهم رحمة، مع أن المسلمين لم يفعلوا بأحد من الأمم التي ينتصرون عليها شيئاً مما يفعله هؤلاء المجرمون، فلا يوجد عند المسلمين تفنن في تعذيب أعدائهم، وإيصال الآلام لهم، وإنما كما أمرهم نبيهم عليه الصلاة والسلام:(إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)، فلا توجد عندهم هذه القسوة في تعذيب الخلق، وأذيتهم، وإنما هم يقاتلون من استحق القتال شرعاً فقتالهم كدواء وعلاج لابد منه؛ لإنقاذ البشرية من خطر الشرك والكفر والعدوان.