للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى قوله تعالى: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات)]

ذكر عز وجل في هذا القرآن العظيم الذي هو مليء بالأمور الإيمانية الأمر فقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:١٠]، قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا الكرم، قتلوا أولياءه، ثم هو يدعوهم إلى التوبة.

مع أن الآية في الحقيقة نزلت في قوم هلكوا على الكفر، ولكن لأن الأمر دائماً مرتبطٌ بكل زمن يقع فيه ذلك، ومع أن هذا خبر، لكنه دعوة إلى التوبة، والمدعو هنا هو من يسمع هذه الآيات بعد ذلك، ممن فتنوا المؤمنين والمؤمنات وعرضوهم للفتنة، وآذوهم بسبب التزامهم بالدين وطاعتهم لله عز وجل، فهم قتلوا أولياءه، ومع ذلك فتح لهم باب التوبة! وهذا له أهمية كبرى في نفس المؤمن، بحيث إنه يعمل لله عز وجل لا لنفسه، فهو لا يريد الانتصار لنفسه، ولا يستبعد أن يتوب الله عز وجل على من آذاه، ولا يقول: لابد أن ينتقم الله من عدوي، ولابد أن يأخذه الله عز وجل بأنواع العذاب في الدنيا قبل الآخرة، فلربما فتح الله له باب التوبة، كيف لا وقد وقع ذلك لمن آذى نبيه صلى الله عليه وسلم؟! لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته أنزل الله عليه قوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران:١٢٨])، وتاب الله على طائفة منهم، حتى ممن كان يقود الكفرة في حربهم ضد الإسلام.

قال الله عز وجل في بيان حقيقة من فتن المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتب: ((فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ))، وتأمل لفظ (عذاب الحريق)، فالمعنى قد وضح بقوله: (فلهم عذاب جهنم) فهي عذاب النار والنار تحرق، لكن أكد هذا المعنى بقوله: (ولهم عذاب الحريق)؛ لأنهم أرادوا إحراق المؤمنين، فالألم الحقيقي لم يحصل للمؤمنين وإنما حصل للكافرين، وذلك أن الشهيد لا يجد من ألم الموت إلا كمس القرصة، وهؤلاء شهداء، بل وردت روايات كثيرة في هذه القصة منها: (أن هؤلاء المؤمنين قبضت أرواحهم قبل أن يلقوا في النار، فألقوا فيها أجساداً بلا أرواح، فلم يتألموا.

إذاً/ هذا حاجز وهمي يمنعك من الالتزام، وهو خشية المخاطر التي يتعرض لها أهل الإيمان، فالألم الأكبر هو في معصية الله تعالى، إضافة إلى ما ينتظره من العذاب في الآخرة، إذا ترك الحق، فنار الآخرة أعظم من نار الدنيا، ومن أراد أن يعرف قدر نار الآخرة، فليذهب إلى أي مستشفى ليرى قسم الحروق وآلامه، مع أنه جزء بسيط من نار الدنيا، التي هي جزء من سبعين جزءاً من نار الآخرة.

فالكفار عندما أرادوا قتل المؤمنين، قال الله عنهم {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} [البروج:٤]، وعندما أرادوا إحراق المؤمنين، أحرقهم الله عز وجل حريقاً دائماً أبدياً.

<<  <  ج: ص:  >  >>