قوله سبحانه وتعالى:{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ}[الكهف:١٨] يدل على لطف الله سبحانه وتعالى بهم وهم نائمون، حيث قدر لهم من الأسباب ما يحفظهم، ويبعد الطلب عنهم حال خروج الناس في آثارهم، وقد أكرمهم الله تعالى في نومهم كما أكرمهم في استيقاظهم بتوفيقهم إلى توحيده عز وجل، وترك عبادة من دونه.
وهذه القصة تدل على إثبات كرامات الأولياء في أنواع القدرة والتأثير، هذه المدة الطويلة، خلال هذه المدة.
ومعنى الكرامة: ما يكرم الله به عبده المؤمن المتبع لشرعه سبحانه وتعالى، من أنواع خوارق العادات أو من غيرها، ولا يلزم أن يكون الإكرام بخوارق العادة، ولكن هذا هو الاصطلاح، بل إن أعظم كرامة للعبد هي أن يوفقه الله لطاعته، وأن يلهمه رشده، وأن يكشف له عن سبيل الحق فيلتزمه، وإن لم يقع له شيء من خوارق العادات، والله سبحانه وتعالى قد يجمع لعبده المؤمن بين أنواع الكرامات المختلفة ومن أنواع العلو والقدرة، وأعظم ذلك أن تكون له قوة على طاعة الله عز وجل، وهو معنى الحديث:(فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي) فالله عز وجل يعطيه قوة يصرف بها جميع حوارحه في مرضاته سبحانه وتعالى.
قال ابن كثير: قال عز وجل: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا}[الكهف:١٨] أي: أنه تعالى ألقى عليهم المهابة بحيث لا يقع نظر أحد عليهم إلا هابهم لما ألبسوا من المهابة والذعر، لئلا يدنو منهم أحد، ولا تمسهم يد لامس، حتى يبلغ الكتاب أجله، وتنقضي رقدتهم التي شاء تبارك وتعالى فيهم، لما له في ذلك من الحكمة والحجة البالغة والرحمة الواسعة رحمة لهؤلاء الفتية المؤمنين، وإنجاء لهم من القوم الظالمين الكافرين، وحكمة بالغة ودليل للناس على البعث والنشور، وإثبات قدرة الله سبحانه وتعالى على إحياء الموتى بعد موتهم يوم القيامة، وكذلك ليثبت للناس سبحانه وتعالى ويبين لهم مآل المتقين وحفظه سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين من حيث شعروا ومن حيث لم يشعروا.
لقد حفظهم الله عز وجل بإلقاء المهابة عليهم حتى لو اطلع المطلع -والمخاطب هنا كل مكلف- لولى منهم فراراً، ولملئ منها رعباً، ويمكن أن يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمقصود كل من خوطب بذلك، والله أعلى وأعلم.
وذلك حفظاً من الله عز وجل لهم حتى لا يدخل عليهم أحد، ولا يصيبهم شيء من الكائنات الأخرى بسوء؛ لأنها تنظر إلى منظر مرعب مخيف فتنصرف، وبعد انقضاء المدة بعثهم الله عز وجل.