للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى الكهف والرقيم]

قال ابن كثير رحمه الله في قول الله عز وجل: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف:٩]: هذا إخبار من الله تعالى عن قصة أصحاب الكهف على سبيل الإجمال والاختصار، ثم بسطه بعد ذلك.

فقال: (أم حسبت) يعني: يا محمد! {أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف:٩] أي: ليس أمرهم عجيباً في قدرتنا وسلطاننا، فإن خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر والكواكب وغير ذلك من الآيات العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى -وأنه على ما يشاء قادر، ولا يعجزه شيء- أعجب من أخبار أصحاب الكهف، كما قال ابن جريج عن مجاهد {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف:٩]، يقول: قد كان من آياتنا ما هو أعجب من ذلك، وقال العوفي عن ابن عباس {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف:٩]، يقول: الذي آتيتك من العلم والسنة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم.

وقال محمد بن إسحاق: ما أظهرت من حججي على العباد أعجب من شأن أصحاب الكهف والرقيم {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف:٩]، ذلك أن هناك ما هو أعجب، فشأنهم عجيب ولكن هناك ما هو أعجب منه، وهو ما جعل الله عز وجل من دلائل قدرته والمعجزات التي آتاها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وما علمه من العلم.

أما الكهف: فهو الغار في الجبل، وهو الذي لجأ إليه هؤلاء الفتية المذكورون، وأما الرقيم فقال العوفي عن ابن عباس: وادٍ قريب من أيلة، وأيلة في بيت المقدس، وكذا قال عطية العوفي وقتادة، وقال الضحاك: أما الكهف: فهو غار الوادي، والرقيم: اسم الوادي، وقال مجاهد: الرقيم: كتاب بنيانهم يعني: الكتاب الذي كتب على بنيانهم، وجعلت فيه أسماؤهم، وكتبت فيه قصتهم، ويقول بعضهم: هو الوادي الذي فيه كهفهم، وقول مجاهد هذا هو أقرب إلى ظاهر اللغة؛ لأن الرقيم بمعنى المرقوم، مثل قتيل بمعنى: مقتول، فهو رقيم رقم، والرقم: هو النقش أو الكتابة، كل ذلك يسمى رقماً، فهو الكتاب الذي كتبت فيه قصة هؤلاء وأسماؤهم، وجعلوه على باب كهفهم والله أعلم.

وروى عبد الرزاق عن ابن عباس في قوله (الرقيم) قال: كان يزعم كعب أنها القرية، وقال ابن جريج عن ابن عباس: الرقيم: الجبل الذي فيه الكهف، وروى ابن إسحاق عن ابن عباس قال: اسم ذلك الجبل بنجلوس.

وعن شعيب الجبائي أن اسم جبل الكهف: بنجلوس، واسم الكهف: حيزم، والكلب: حمران.

وهذا يعطينا فكرة عما ينشغل به أهل الكتاب، وما ينقل عنهم: ما اسم الكلب؟ ما لونه؟ ما اسم الكهف؟ ما اسم الوادي؟ والقرآن كما نعلم لم يذكر لنا شيئاً من ذلك؛ لأن المقصود: هو العظة والعبرة، وهذا قد ذكرناه مرات في الفرق بين قصص القرآن، وما يذكر الله عز وجل فيه، وبين قصص أهل الكتاب من الاهتمام بالأسماء، وألوان الحيوانات، وأنواع الأشجار؛ لتثبيت القصة في أذهان الناس والاهتمام بهذه التفاصيل؛ لأن الناس الذين يسمعونها يريدون أن يتسلوا بذكر هذه التفاصيل، وأما القرآن فلن يشغلنا بذلك والله أعلى وأعلم.

ولذا قال ابن عباس: يزعم كعب، وكان يزعم كعب أنها القرية، وروى عبد الرزاق عن ابن عباس قال: القرآن أعلمه إلا حناناً، والأواه، والرقيم، فوقف ابن عباس رضي الله عنه في هذه الرواية، وإسنادها صحيح.

وعن عكرمة قال: قال ابن عباس: ما أدري ما الرقيم، أكتاب أم بنيان؟ وعن ابن عباس قال: الرقيم: الكتاب.

وهذه الرواية صرح فيها بما شك فيه في الروايات التي قبلها أنه كتاب أم بينان، وهذه أقرب إلى الظاهر والله أعلم، كأنه كان متوقفاً لا يعلم ثم إنه جزم بعد ذلك، ولذلك جزم مجاهد بهذا القول فهو تلميذ ابن عباس رضي الله عنه قال: كتاب بنياتهم، وكأنه جمع بين ما شك فيه ابن عباس أنه كتاب أم بنيان؟ فقال: الكتاب الذي وضع على البنيان الذي بنو عليه الناس بعد معرفتهم بالقصة.

وقال سعيد بن جبير: الرقيم: لوح من حجارة كتبوا فيه قصص أصحاب الكهف ثم وضعوه على باب الكهف وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الرقيم: الكتاب، ثم قرأ: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين:٩].

قال ابن كثير: وهذا هو الظاهر، وهو من الآية، وهو اختيار ابن جرير قال: الرقيم: فعيل، بمعنى: مرقوم؛ كما يقال للمقتول قتيل، وللمجروح جريح، فالمعنى: مرقوم أصحاب الكهف، والمرقوم: الكتاب المرقوم، والرقيم: الكتاب المرقوم، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>