وقال تعالى:{إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ}[الكهف:٢٠]، والظاهر أن الرجم هنا على حقيقته من الرمي بالحجارة.
وقيل: يشتموكم، وليس بظاهر؛ لأن فرارهم لم يكن بسبب الشتم، والشتم شيء يسير.
قوله تعالى:((أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ)) أي: إن لم تصبروا وتتحملوا فلقومكم إحدى غايتين: إما أن تعودوا إلى الملة الباطلة، أو يرجموكم، ثم قالوا لبعضهم:{وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف:٢٠].
وقد يقول قائل: لماذا لا يفلحون وهم مؤمنون وقد أكرهوا بالرجم؟ فإنه لا نزاع بين أهل العلم أن من أكره بالرجم أو هدِّد به أو بدءوا برجمه جاز له أن يقول كلمة الكفر، ويكون معذوراً، والجواب على هذا: أن شرط الإكراه أن يكون القلب مطمئناً بالإيمان، ولربما كان المفتون لا يصبر عند الفتنة، فقد يختار الباطل إيثاراً للتخلص من شر الفتنة، كالرجل الذي دخل النار في ذبابة قربها لغير الله حين طلبوا منه ذلك، وقال: ما أجد ما أقرب، قالوا: قرب ولو ذباباً، فقرب، لذلك فأصحاب الكهف خافوا على أنفسهم من أن يوافقوا قومهم على الكفر، نسأل الله عز وجل أن يثبتنا والمسلمين، وأن يثبت قلوبنا على دينه.
إذاً: استبان لنا وجهان: الوجه الأول: وهو قوله {وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف:٢٠] قال ابن كثير رحمه الله: فلا يزالون يعذبونهم بأنواع العذاب إلى أن يعيدوهم في ملتهم التي هم عليها أو يموتوا، وإن وافقتموهم على العود في الدين فلا فلاح لكم في الدنيا ولا في الآخرة، ولهذا قال:{وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف:٢٠].
الوجه الثاني: أن الإكراه إنما كان معتبراً في أمة الإسلام، وأن ذلك من خصائص هذه الأمة، واحتجوا بذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، وليس هذا بظاهر؛ لأنَّ النسيان قد جعله الله عز وجل عذراً لمن سبق، كما قال موسى عليه الصلاة والسلام للخضر: (لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} [الكهف:٧٣]، فقبل عذره في هذه المرة وكان نسياناً؛ ولذلك فإن الوجه الأول هو الأظهر، فإن المؤمن لو ترك وشأنه لما اختار الباطل، ولكن لما فتن افتتن والعياذ بالله، وقاده ذلك إلى الفتنة:{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا}[الأحزاب:١٤].