هذه القصة العظيمة ذكر الله عز وجل فيها من الآيات ما تتضمن حكماً بالغة، فقد ذكر الله سبحانه وتعالى الذين لعنوا وطردوا وأبعدوا عن الرحمة، وذكر ذلك بلفظ (قتل)، ولا شك أن ذكر الطرد واللعن بلفظ القتل الذي فعلوه بالمؤمنين أبلغ؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فهم أرادوا قتل المؤمنين فأحيا الله عز وجل عباده المؤمنين شهداء عنده عز وجل، وقتل هؤلاء.
وقد ورد في بعض الروايات: أن النار التي أضرموها لحرق المؤمنين، بعد أن فعلوا ما فعلوا، التفت عليهم فقتلتهم، فضلاً عما أعد الله عز وجل لهم من عذاب الحريق في الآخرة، فقد كانوا يؤلمون المؤمنين بأشد ما يعرف من أنواع الألم في الدنيا، وهو ألم النار، فأُحْرِقوا بها في الدنيا وفي الآخرة، وهم يعذبون فيها فيما بين ذلك.
وإن كثيراً من الناس يظن أن الابتلاء الذي يحصل لأهل الإيمان لا يستطيع الإنسان تحمله، ولذلك يفرون من ألم الابتلاء إلى ترك الإيمان واتباع أهل الظلم والطغيان، والحقيقة أن الألم والعذاب الحقيقي في الدنيا، وفي البرزخ، وفي الآخرة، إنما هو لمن ترك الإيمان، وأعرض عن دين الله سبحانه وتعالى، وإن كان فيما يبدو للناس بخلاف ذلك.
بعد هذه الأقسام المتعددة، التي تدل على عظمة الله وسلطانه وملكه قال تعالى:{قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ}[البروج:٤]، فأخبر أن الذي قتل هم الكفرة، أصحاب الحفر التي ألقوا فيها المؤمنين.