في الأمور الواجبة تقدم طاعة الله على طاعة من سواه أياً كان
كان الغلام إذا أتى أهله ضربوه، وفي هذا ما يدلنا على الجواب عن
السؤال
هل يطيع الإنسان والديه أو أهله أو من له عليه حق الطاعة في ترك دروس العلم؟ لا شك أن علم التوحيد من العلم الواجب، وكذلك ما يرتبط به عقيدة الإنسان، وكذا ما يلزمه من تصحيح العبادة والمعاملة الواجبة، وكل ما لزمه أن يتعلمه فرض عين عليه كالأخلاق الواجبة وإتيان الحلال واجتناب الحرام، فكلما لزمه عمله لزمه تعلمه، فصار فرض عين عليه، فهذا لا يجوز أن يطيع أحداً في تركه، لا والديه ولا أي إمام ولا حاكم ولا أحد، والواجب الشرعي لا يجوز أن يستأذن فيه وأن يطلب الإذن في فعله، إنما هذا مطلب فرعوني، كما قال تعالى حاكياً قول فرعون للسحرة:{آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ}[الأعراف:١٢٣]، فالذي يريد أن يستأذن في طاعة الله عز وجل إنما هو متشبه بفرعون، فإذا أمر الله فلا يجوز لأحد أن يعترض ولا أن يمنع.
وأما إذا كان العلم مستحباً، فهذا يستحب فيه الحضور ولا يلزم، وبالتالي يقدم طاعة الوالدين على هذا العلم المستحب.
وأما إذا كان فرض كفاية فهذا إما أن يكون قد تعين عليه وإما أن يكون مازال في دائرة الاستحباب، فإن كان قد تعين، بأن شرع في الطلب، فإن طلب العلم كالجهاد كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والإمام النووي، فإذا كان قد شرع فيه فإنه يتعين عليه؛ وذلك لأن الأمة لن تجد علماء لها إذا كان طالب العلم يترك الطريق من منتصفه ويبدأ العلماء من جديد، فربما مات العلماء ومات علمهم قبل أن يولد من يخلفهم من طلاب العلم؛ لأن كل طالب سوف يطلب العلم مرة من الزمن ثم يترك الطلب، ويأتي بعد ذلك طالب يبدأ من البداية، فمثل هذا يترتب عليه ضياع هذا الفرض الذي هو فرض كفاية، ونعني بفرض الكفاية ما قاله ابن حزم رحمه الله: فرض على كل طائفة مجتمعة في قرية أو مدينة أو غير ذلك أن ينتدب منهم من يطلب جميع أحكام الديانة من أولها إلى آخرها، فيتعلم القرآن كله، ويتعلم ما صح وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث الأحكام وغيرها، ويعلمهم ذلك، فإذا كان الأمر قد تعين عليه فإنه لا يجوز أن يطيع أحداً في تركه، وكذا إذا تعين عليه لكونه لا يوجد من يقدر على طلب هذا النوع من العلم غيره، وكذا التعليم بالأولى، وقد ذكر الإمام النووي رحمه الله مسألة طاعة الوالدين في ترك السفر في طلب علم ليس بواجب ولا يحصل ضرر على الوالدين بالإذن في السفر، قال: فيه وجهان، والصحيح عدم السفر بغير إذنهما.