ونلحظ في قوله عز وجل:((نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ))، أن الله سبحانه وتعالى قص علينا الحق من ذلك، والحق هو ما ينتفع الناس به وما وافق الصواب والواقع، فلم يذكر الله سبحانه وتعالى كما سمعنا من الإمام ابن كثير رحمه الله كثيراً من التفاصيل التي لا تفيد العباد في شأن قلوبهم وأعمالهم وسلوكهم أو تدبرهم، وهذا كما نعلم شأن القرآن في أكثر قصصه، لا يذكر تفاصيل الأمكنة والأزمنة وأسماء الأشخاص والبلاد في معظم هذه القصص إلا ما كان له به حاجة، وهو بالحق لأنه موافق لما وقع وجرى دون زيادة ولا نقصان، والله سبحانه وتعالى جعل القصص الحق مما ينبغي أن ينشغل الناس به، وأما القصص الباطل فقد ذمه في سياق هذه الآية قال تعالى:((نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ))، أي: فلا تشغل نفسك بغير الحق، واهتم بهذا الحق، ففي مفهوم هذه الآية الكريمة أمر بالاهتمام بقصص الحق، ونهي عن الاشتغال بقصص الباطل، وهذا أمر عظيم الأهمية في حال قلب العبد المؤمن، فإن انشغال الإنسان بالقصص الباطل يدمر الإيمان في القلب تدميراً، ويشغله عما ينبغي أن يعده لمستقبله الحقيقي، ولذلك كان من أعظم الأمور مفسدة ما يظنه كثير من الناس صالحاً من شغل الناس بالقصص الباطلة، وتأليف هذه الأقاصيص الكاذبة، وبعضهم قد يظن أنها ربما تصبغ صبغة دينية إسلامية، وتجعل فيها بعض المفاهيم، والحق أن هذا في الجملة من أعظم ما يؤدي إلى فساد العقول والقلوب؛ لأن القلوب تتعلق بهذا الباطل فيسهل تعلقها بكل باطل بعد ذلك، وأما إذا تعلقت بالقصص الحق فهنا يحدث لها تعلق بالحق كله، وذلك لأن الباطل يجر إلى مزيد من الباطل؛ لذلك نقول: أمراض النظر والقراءة والسماع لقصص الباطل أمراض عديدة تظهر في سلوك الإنسان ومعتقداته، ويبدأ ذلك معه منذُ صغره، ويمتد معه حتى يكبر، ولذلك نجد الكثيرين يهتمون بالباطل والمظاهر أمام الناس كما قد تعودوا ونشئوا على هذا، فكل الأمر عندهم تمثيل في تمثيل، وما ينبغي أن يسمى تمثيلاً هذا الذي يفعلونه، فالتمثيل ضرب المثال، أما هذا الذي يفعلونه فهو الكذب بعينه، ولا حقيقة له ولا أصل، وهو يضر أعظم الضرر، ولذا فالنصيحة الأكيدة لشباب المسلمين ورجالهم ونسائهم أن يتجنبوا القصص الباطلة، ويكتفوا بقصص الحق قصص القرآن العظيم، فإن قصص الباطل تؤدي إلى تعلق القلب على الدوام به والعياذ بالله، فيظل دائماً على تلك الحال يعيش حياته بالباطل، وهو يستحضر ما قد رآه وسمعه، وعاش فيه قبل ذلك في صغره وكبره، فلا شك أن إغلاق هذا الباب واجب، سواء كانت قراءة كالألغاز والروايات المختلفة، أو سماعاً من وسائل المذياع والمسلسلات وغيرها، أو نظراً ورؤية كالأفلام والمسرحيات والتمثيليات، فإنها كلها تؤدي إلى أعظم الأضرار على القلب، وأما سماع القصص الحق واستحضارها في القلب وتدبرها فهو يزيد الإيمان أيما زيادة، قال تعالى:((إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى))، وكما سمعنا، فقد استدل العلماء بهذه الآية الكريمة على زيادة الإيمان، فالله عز وجل يتفضل أولاً على عباده لتوفيقهم للإيمان، ثم يمن عليهم ثانياً إذا آمنوا بزيادتهم هدىً وإيماناً، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يخلق في قلوب عباده الهدى والإيمان.
وهذه الآية تدل على خلق أفعال العباد، فالله عز وجل هو الذي يخلق في قلوب من شاء الهدى، ويخلق في قلوب من شاء الضلال، وهو سبحانه يزيد إيمان من شاء بعدله ورحمته وحكمته سبحانه وتعالى، وهو عز وجل الذي ينزع الإيمان ويزيغ القلوب عدلاً منه وحكمة، كما قال عز وجل:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف:٥].