وفي تسليط الله للملك الظالم الكافر مدعي الربوبية على المؤمنين وتعذيبهم وتمكينه من ذلك دليل على أن حكمة الله سبحانه تتضمن مثل ذلك الابتلاء، ولا يكون في هذا دليل على سخط الله على أوليائه، أو تركه نصرتهم، أو أنهم على باطل؛ ولذا لم يحفظوا، وليس الأمر كما يقول بعض الناس: طالما أنه وقع عليكم هذا البلاء إذاً أنتم على باطل، ولو كنتم على حق لما جرى لكم الذي جرى، فليس الأمر كذلك، فقد قدر الله على أنبيائه ورسله نحو ذلك من القتل والجراح، كما قال تعالى:{قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[آل عمران:١٨٣]، وجرح النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، وكسرت رباعيته في غزوة أحد، وأنزل الله عليه في ذلك:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}[آل عمران:١٢٨]، فالحق يعرف بالأدلة لا بأن أهله معذبون مستضعفون، والباطل يعرف بمخالفته للحق لا بأن أهله هم الغالبون، فعن قريب يمكَّن المستضعف، ويأمن الخائف، ويجعلهم الله أئمة ويجعلهم الوارثين، وعن قريب تذل أعناق الجبابرة، ويزول ملك الطغاة، ويزهق الله باطلهم، ويجعلهم من الأسفلين.
فهذا الابتلاء فيه تمحيص للقلوب، وكفارة للذنوب، وتخليص للصف المؤمن من الكاذبين والمنافقين.