وعن عطاء بن ابي رياح وغيره قال: لما أهبط الله آدم من الجنة كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم فيأنس إليهم، فهابته الملائكة حتى شكت إلى الله في دعائها وفي صلاتها، فخفضه الله عز وجل إلى الأرض، حتى صار ستين ذراعا، فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا ذلك إلى ربه في دعائه وفي صلاته فقال: ربي كنتُ جارَك في دارَك، ليس لي ربّ غيرك، ولا رقيب دونك، آكل فيها رغدا، وأسكن حيث أحببت، فأهبطتني إلى هذا الجبل المقدس، فكنت أسمع أصوات الملائكة وأراهم كيف يحفون بعرشك وأجد ريج الجنة وطيبها، ثمّ أهبطتني إلى الأرض، وحططتني إلى ستين ذراعا، فقد انقطع عني الصوت والنظر، وذهب عني ريح الجنة، فأوحى الله إليه: بمعصيتك يا آدم فعلتُ ذلك بك. ثم أوحى الله إليه: أن لي حَرماً بحيال عرشي فانطلق فابن لي بيتا فيه ثم حفّ به كما رأيت الملائكة يحفون بعرشي فهنالك أستَجِيبُ لك. ولولدك من كان منهم في طاعتي. فقال آدم: أي رب، وكيف لي بذلك؟ لست أقوى عليه ولا أهتدي له! فقيض الله له ملكاً فانطلق به نحو مكة، فكان آدم إذا مرَ بروضة ومكان يعجبه قال للملك: انزل بنا ها هنا. فيقول الملك: مكانك حتى قدم مكة، وكان كل مكان قدم نزل فيه صار عمرانا، وكل مكان تَعداه صار مفاروز وقفارا وكلما وضع قدمه صار قرية، وما بين خطوتيه مفازة، حتى انتهى إلى مكة، وأنزل الله ياقوته من ياقوت الجنة، وكانت موضع البيت فبنى آدم البيت من خمسة أَجبُل، من طور سيناء، وطور زيتون، ولبنان والجُودِىّ وبنى قواعده من جرا، فلما فرغ من بنائه خرج به الملك إلى عرفات فأراه المناسك كلها التي يفعلها الناس اليوم، ثم قدم به مكة فطاف بالبيت أسبوعا، ثم رجع إلى الهند فمات على بُوذ.
ثم رفعت تلك الياقوته حتى بعث الله إبراهيم فبوأه الله له فبناه، فذلك قوله عز وجل) وإذ بَوَّأَنا لإبراهيم مَكَان البيت (وفي موضع آخر: إن البيت أُهبط ياقوته واحدة أو دُرة حتى إذا أغرق اللهُ قوم نوح دفعه وبقى أساسه، فبوأه الله لإبراهيم فبناه.
وذكر أن الله تبارك وتعالى لما أنزل آدم من الجبل الذي أُهبط فيه إلى سفحه مَلّكه الأرض عليها والبهائم والدواب والوحش والطير وغير ذلك، وأن آدم عليه السلام لما نزل من رأس ذلك الجبل وفقد كلام أهل السماء، وغابت عنه أصوات الملائكة، ونظر إلى سعة الأرض وبسطها، ولم ير فيها أحد غيره استوحش فقال: يارب، أما لأرضك هذه عامرٌ يُسبحُ بحمدك ويقدس لك غيري؟ فقال الله تعالى: إني سأجعل فيها من وَلَدِكَ مَن يُسبح بحمدي ويقدُّسِني، وسأجعل فيها بيوتاً تُرفع لذكرى، ويُسبح فيها خلقي، ويذكر فيها اسمي، وسأجعل من تلك البيوت بيتا أَخُصُّهُ بكرامتي وأُثره باسمي، وأسميه بيتي وأنطقه بعظمتي أجعل ذلك البيت حرما فيه بحرمته من حوله، ومن تحته، ومن قوته، فمن حرمه بُحرمتي استوجب بذلك كرامتي، ومن أخاف أهله فيه فقد أخفر ذِمَّتي، وأباح حُرمتي. أجعله أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا، يأتونه شُعثاً عُبراً على كل ضامر يأتين من كل فج عميق - يرُجُّون بالتلبية رجيجا، وتثجون بالبكاء ثجيجا، ويعجُّون بالتكبير عجيجاً، فمن اعتمده لا يريد غيره فقد وفد إلى وَزَارني وضافني وَحَق على الكريم أن يُكرم وفده وأضيافه، وأن يُسعف كُلاَّ بحاجته. عمره بعُمرةٍ يا آدم ما دُمت حياً، ثم تُعمره الأمم والقرون والأنبياء من ولدك، أُمة بعد أمة وقرنا بعد قرن.
ثمأمر آدم. فيما ذكر - أن يأتي البيت الحرام الذي أُهبط له إلى الأرض فيطوف به كما تطوف الملائكة حول عرش الله، وكان ذلك ياقوته واحدة أو دُرّة واحدة، حتى إذا أغرق الله قوم نوح رَفَعه وبقي أساسه فبوأه الله لإبراهيم فبناه. وعن قتادة قال: وضع الله البيت مع آدم، وكان آدم رأسه في السماء ورجله في الأرض، وكانت الملائكة تهابه، فنقص إلى ستين ذراعاً، فحزن آدم، وفقد أصوات الملائكة وتسبيحهم، فشكا ذلك إلى الله تعالى، فأوحى الله إليه: يا آدم إني قد أهبط لك بيتاً تطوف به كما يطاف حول عرشي، وتصلي عنده كما يصلى حول عرشي. فأنطلق إليه يا آدم فخرج ومَدَّ لهُ في خطوة فكان ما بين كل خطوة مفازه، فلم تزل المفاوز بعد ذلك فأتى آدم البيت فطاف به، ومن بعده الأنبياءُ.