ثم وجه بالكتاب مع رجل يسمى مُخالد بن سعد، وكان عمر بن الخطاب يخرج حين أبطأ عليه خبرُ الناس من القادسية كلَّ يوم باكرا من المدينة وجده ماشيا في طريق الخُبَر، فيمشي ميلا أو ميلين طمعا أن يرى أحد يسأله عن الخبر فلا يجد أحدا فبينما هو كذلك ذات يوم إذ نظر إلى راكب من بعيد فاستقبله مُخالد - وهو لا يعلم أنه عمر رحمه الله - فقال له عمر: ما الخبر؟ فقال: أظفر الله المؤمنين وقتل المشركين - ثم جاء وترك عمر وجعل عمر يعدو معه ويسأله حتى دخل المدينة، فاستقبل الناسُ عمر فسلموا عليه بالخلافة، فوقف عمر وسلّم عليه مُخالد وقال: سبحان الله تعدو معي نحواً من ميلين ولا تعلمني أنك أمير المؤمنين!! فقال له عمر: سبحان الله. وما في ذلك؟؟ ثم نزل مخالد وناوله كتاب سعد بالفتح فقرأه على الناس واستبشروا به.
وكتب عمر إلى سعد يأمُره أن يبني لمن قِبله من العرب دار هجرة ولا يكون بها بحر، فأقبل إلى موضع الكوفة فبناها، وجعلها خططا لمن كان معه من العرب وجعل لكُل حي من أحياء العرب خطة، وبنى مسجدا جامعا، وبنى لنفسه المسجد قصرا، وهو قصر الإمارة. وأعطى الناس عطاءً جزيلا، وأمرهم بالبناء، وبنى لنفسه فبنوا، واسكن فيها النساء والذرية، وخلف فيهم ثمانية الآف من المسلمين يحفظونهم بإذن الله، وسار سعد بالناس حتى نزل بالمدائن فعسكر بها، وأقام بها حولين.
ثم كانت وقعة جلولاء ونهاوند، وقتل يزدجرد الملك بعد وقعة نهاوند، ولم أدع أن أشرح وقعة جلولاء ونهاوند: إذ كانتا على أثر وقعة القادسية، ويقتصان خبر زوال سلطان العجم، وإظهار المسلمين عليهم.
[وقعة جلولاء]
ثم إن سعد بن أبي وقاص لما نزل بالمدائن وأقام بها حولين بعد وقعة القادسية عقد لابن أخيه عمرو بن مالك في اثني عشر من سادات العرب، من اليمانية والعدنانية، وفرسانهم وصناديد رجالهم، وأمره أن يسير إلى جلولاء فيحارب جرزاد الذي ولاه الملك يزدجرد أمر الحرب حتى وافى جلولا وخرج اليه جرزاد في جنوده وعساكره، فاقتتلوا قتلا شديدا، وصبر بعضهم لبعض، فتراموا بالسهام حتى أنفذوها، وتطاعنوا بالرماح حتى كسروها، ثم أفضوا إلى السيوف وعمد الحديد فتضاربوا بها أشد ما يكون من الضرب، واقتتلوا أشد ما يكون من القتال، من لَدُن طلوع الشمس إلى أن اصفرت وأفلت للغروب، فلم يكن صلاة المسلمين إلا بالإيماء في وقت كل صلاة، ثم تداعت العرب وحضّ بعضُهم بعضا، وحملوا على القوم عند اصفرار الشمس حملةً واحدة، فلم تثبت العجم لحملتهم فانهزموا على وجوههم نحو نهاوند، وأفاء اللهُ على العرب مال العجم فغنموا منه غنيمة لم يغنموها قبل ولا بعد، وأقبلت العجم حتى أوغلوا في الخيل نحو نهاوند: